بقلم :عريب الرنتاوي
تبدو الحرب على «داعش» جنوب حوض الفرات وعلى امتداد الحدود العراقية – السورية، معلقة حتى إشعار آخر ... لم نعد نقرأ أو نسمع عن عمليات يخوضها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، ولا حتى عن ضربات جوية وصاروخية ... مع أن هذه المنطقة الجغرافية الصعبة والشاسعة في الوقت ذاته، باتت تحتضن العدد الأكبر ممن تبقى من مقاتلي التنظيم، وبما يتراوح ما بين 7 – 12 ألف مقاتل، معظمهم من الأجانب، ذوي المراس والخبرة.
هذا السؤال، طرحته على كل ما التقيته في برلين وبروكسل من الخبراء والمسؤولين عن ملف محاربة الإرهاب ومكافحة التطرف، وسط تلميح (وتصريح) بأن المسألة تخفي «نوايا» أمريكية للعودة إلى «تكتيك» توظيف داعش لاستنزاف روسيا وسوريا وإيران... جميعهم ملمون بالحقائق على الأرض، بيد أنهم مختلفون في تفسير الموقف أو لجهة الإقرار بفرضية «تعليق» الحرب على داعش ... بعضم آثر الاكتفاء بالإجابة الدبلوماسية المعتادة، نافياً تعليق الحرب، مشيراً إلى وجود استهدافات جوية متفرقة... وبعضهم الآخر، من العسكريين والأمنيين تحديداً، أجاب قائلاً: من دون قوة على الأرض، تمسك بها وتمنع عودة «داعش» إليها، لا قيمة فعلية للضربات الجوية، مذكراً بأن انتقال عدد كبير من المقاتلين إلى «منبج» و»عفرين» أضعف على نحو ملموس ديناميكية الحرب على الإرهاب، وأفقدها زخمها، تكتيكياً على الأقل.
والحقيقة أن «البنتاغون» كان حذّر قبل عملية «غصن الزيتون» من سيناريو كهذا، ولطالما تحدث «الجنرالات» أمام الكونغرس وفي مؤتمراتهم الصحفية، عن المخاطر الناجمة عن الاجتياح التركي لمناطق شمال غرب سوريا، وأثرها السلبي على الحرب ضد «داعش» ... اليوم، يتحرك مسرح العمليات من جديد، والأنباء تتحدث عن إعادة تحشيد «وحدات الحماية» ومن يناصرها من المسلحين العرب، في تلك المنطقة، وسط معلومات عن قرب استئناف العمليات ضد التنظيم، سيما بعد أن غاب «التهديد والوعيد» عن خطابات السيد رجب طيب أردوغان، باجتياح منبج وصولاً إلى شرق الفرات... وثمة عامل جديد دخل على المسرح، تمثل في قرار الحكومة العراقية، بالتنسيق مع غرفة العمليات الرباعية (العراق، إيران، سوريا وروسيا) توجيه ضربات جوية (وغيرها) لداعش، على الأراضي السورية، وهذا ما حدث بالفعل مؤخراً.
استئصال داعش من هذه المنطقة، يخدم مصلحة أمنية استراتيجية «عليا» للأردن، فالأردن طالما تحسب لسيناريو انزياح هؤلاء جنوباً، واقترابهم من حدوده الشمالية – الشرقية ... وبرغم وجود قاعدة «التنف» الأمريكية على المثلث الحدودي السوري – الأردني – العراقي، إلا أنها لا توفر الطمأنينة المطلوبة للأردن، سيما وأن أحداً لم يعد بمقدوره «التنبؤ» بالقرارات التالية للبيت الأبيض ورئيسه، الذي ما انفك يتحدث عن «انسحاب وشيك جداً» للقوات الأمريكية من سوريا.
لكن عودة الحديث الأمريكي عن قرب استئناف العمليات ضد داعش» جواً وبراً، تزامناً مع قرار «غرفة العمليات الرباعية»، يثير إشكالية «السباق» الأمريكي – الإيراني على الإمساك بالحدود بين سوريا والعراق، وهي مسألة لا تبدو إسرائيل بعيدة عنها في كل الأحوال، بل أن هناك من يعتقد بأن تل أبيب، لعبت وتلعب، دوراً رئيساً في حث واشنطن على الإسراع في تقطيع أوصال هذه الحدود، وتهديد الممرات البرية الإيرانية نحو الشاطئ الشرقي للبحر المتوسط.
ويزداد هذا السباق خطورة مع احتدام التوتر بين إيران وكل من إسرائيل والولايات المتحدة، الأولى على خلفية الخشية الإسرائيلية من ردة فعل إيرانية انتقامية على الغارة الإسرائيلية على مطار «التيفور» والتي أودت بحياة عدد من الخبراء والعسكريين الإيرانيين... والثانية على خلفية التلويح الأمريكي المستمر بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، ومحاولة احتواء دور إيران الإقليمي.
وإذا صحت التقارير الإسرائيلية عن نجاح إيران في تجنيد وتدريب ونشر ما يقرب من 80 ألف مقاتل «شبه نظامي» في سوريا، من ميليشيات محسوبة عليها ومدعومة منها، فإن سيناريو «الاحتكاك المباشر» مع القوات المحسوبة على واشنطن، برياً كذلك، لن يكون مستبعداً، وهو سيناريو سيجد ترحيباً تركياً، سيما وأن أنقرة تنظر إلى «التهديد الكردي» في شمال سوريا، بوصفه التهديد الأكبر لأمنها واستقرارها ووحدتها الترابية.
يعني ذلك، أن المنطقة الشرقية من سوريا، وخط الحدود التي يفصلها عن العراق، ستكون مرشحة لمواجهات ومعارك واسعة، توازياً وتزامناً مع سيناريو «القفزة التالية» للجيش السوري، سواء جاءت باتجاه الريف الغربي لدرعا وعلى امتداد جبهة الجنوب، أو صوب «إدلب» التي تتحول يوماً إثر آخر، إلى منطقة مرشحة لأشد وأعنف المعارك في الحرب الدائرة في سوريا وعليها، ما لم تنجح الدبلوماسية في اجتراح الحلول السياسية لهذه المنطقة، وهو أمرٌ تبدو فرصه محدودة للغاية، إن لم نقل معدومة.
المصدر : جريدة الدستور
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع