أكاذيب وحقائق

أكاذيب وحقائق

أكاذيب وحقائق

 عمان اليوم -

أكاذيب وحقائق

بقلم :عريب الرنتاوي

كشفت المعارك الطاحنة – والمتزامنة - في الغوطة الشرقية وعفرين عن حجم الرياء والنفاق، واستتبعا المعايير المزدوجة، التي تميز أداء السياسة والإعلام لدى بعض أحزابنا وتياراتنا السياسية والفكرية، ... فالكارثة لا يُعتَرف بها ككارثة، ولا تصبح إنسانية، وترقى إلى مستوى “جرائم الحرب” إلا حين يقارفها من هم في عداد الخصوم، أما حين تُقترف من قبل معسكر الأصدقاء، فيضرب صفحٌ عنها وعن ضحاياها، وتعطى أسماء برّاقة من نوع “تحرير” و”استعادة”، وتمارس مختلف صنوف التعتيم الإعلامي على فصولها الدامية والنازفة، وحين تضطر وسائل إعلام بعينها للاعتراف بوقوع ضحايا من المدنيين الأبرياء، بـ “نيران صديقة”، يجري “تقزيم المشهد” وتخفيف أثر “الصورة”، بل وتبرير ما حصل بأن الأبرياء يسقطون في كل الحروب، وليس في هذه الحرب وحدها؟!

ركام هائل من الأكاذيب والحقائق تكشف على هامش المعركتين الدائرتين في عفرين والغوطة الشرقية ... 

في الوقت الذي كانت فيه طائرات سلاح الجو التركي وفوهات دباباته ومدافعه، تدك القرى السورية، كردية وعربية، وتقتل المدنيين أيضاً، وليس المقاتلين فحسب، وتشرد مئات الألوف منهم، كان الساسة والإعلاميون الأتراك، ينددون بجرائم نظام دمشق في الغوطة، وينتقدون الصمت الدولي حيال ما يجري فيها من “كارثة إنسانية”، فأي نفاق هذا؟

الإخوان المسلمون، بأدواتهم الإعلامية المختلفة، لاذوا بصمت القبور حيال ما يجري في عفرين، ولم تستوقفهم سوى مذابح الأسد في الغوطة ... لكأن من يقتلوا ويشردون تحت شعار “غصن الزيتون” ليسوا بشراً ولا مسلمين، يستحقون بعض الرثاء، دع عنك الشعور بالانتماء القومي الذي لا يعترف به هؤلاء، في عداد “البدعة” .

في الغوطة، لا تسقط القذائف السورية ولا الصواريخ الروسية إلا فوق رؤوس الأبرياء، والمستشفيات ومولدات الطاقة ومحطات المياه ... لا عسكريين وإرهابيين يقتلون، مع أن الغوطة، ملاذ النصرة وشقيقاتها اللائي لا يختلفن عنها بشيء ... أما في عفرين، فلا تصيب المدافع والطائرات التركية، سوى مرتزقة وإرهابيين وعملاء لواشنطن والنظام على حد سواء، أما المدنيون من قتلى وجرحى، أو الذين هربوا في قوافل امتدت لكيلومترات عديدة، فلا يؤتى على ذكرهم إطلاقهم.

 لا تجد في إعلام “المقاومة والممانعة” ولا في صحف اليسار والقوميين ومنشوراتهم، ما يشير إلى إحساس بالأسف حيال الضحايا الأبرياء، في الغوطة الشرقية، كل ما يشغل اهتمام هذا الإعلام، هو ما يجري في عفرين  ... الناس هنا لا قيمة لهم وهم ليسوا من صنف البشر، فيما الناس هناك، هم من يستحقون البكاء والعويل على صدر الحبيب.

إنه زمن المعايير المزدوجة، أو النفاق والرياء على نحو أوضح ... أنه زمن اختلاط الأكاذيب بالحقائق ... من هذه الأكاذيب أن الناس في الغوطة تفر من النظام، وأن النظام يستخدم المغادرين دروعا بشرية كما قال نصر الحريري من دون أن يرف له جفن، ومن دون أن يوضح “دروع ممن” ... لقد رأينا رأي العين، خلاف ذلك ... رأينا انتفاضة في الغوطة الشرقية ضد المسلحين، وحالات فرح وابتهاج للخروج من قبضة العصابات والمسلحين والتنظيمات الجهادية ... والصورة اكتملت بمشهد قوافل الهاربين من جحيم “غضن الزيتون” إلى مناطق سيطرة الدولة السورية ... أيهما نصدق، الحريري والائتلاف والإعلام الداعم له، أم نصدق أعيننا ومصادرنا وما شهده العالم برمته ... أيهما نصدق الرواية التركية على “تحرير الشعب السوري من الإرهابيين” أم قوافل الهاربين من “الجيش الحر” والجيش التركي، صوب مناطق “النظام المجرم”؟

ثم يأتي الدور على “المجتمع الدولي” و”المنظمات الإنسانية”،ـ أهل الغوطة كانوا السبب وراء تدبيج المئات من البيانات المفعمة بالإنسانية والمنددة بوحشية الأسد وقسوة بوتين ... ها هم هؤلاء، يخرجون حفاة وعراة ومثقلين بالجراح والفاقة من مناطقهم إلى مدن الإيواء المؤقت ... هنا تتوقف المشاعر الإنسانية الجياشة، ويكف هؤلاء عن أن يكونوا بشراً يحتاجون المساعدات والتضامن والمؤازرة ... انتفت وظيفتهم، كوسيلة للتحشيد ضد إيران وسوريا وروسيا، فما عاد أحد يكترث لجراحهم وعذاباتهم وجوع أطفالهم ... يتركون للنظام “الوحشي” كما تقول آلة الدعاية المستنفرة دوماً، مع أننا رأينا استنفاراً كاملاً للدولة السورية بكامل أجهزتها، لاستقبال عشرات ألوف الخارجين من جحيم الغوطة، بين عشية وضحاها ... مرة أخرى، أيهما نصدق؟

الشيء ذاته ينطبق على أهل عفرين وجوارها ... فما أن وضعت المعارك أوزارها، وغادرت مئات الألوف من المدنيين، حتى كف هؤلاء عن أن يكونوا وقوداً في ماكينة الاعلام ... لا أحد يذكرهم أو يتذكرهم بكسرة خبز أو شربة ماء أو كأس حليب للأطفال.

انه النفاق والرياء مجدداً، انها المعايير المزدوجة التي تضرب الجميع وتكاد تخرجنا عن أطوارنا، انها الأكاذيب التي يراد لها أن تكون حقائق، لمجرد أنها صدرت عن هذه الجهة أو تلك، أو لتكرار عرضها على مسامعنا من دون توقف.

المصدر : جريدة الدستور

 

omantoday

GMT 12:18 2019 الخميس ,27 حزيران / يونيو

.. وفي الغوطة دارت حروب .. بوظة!

GMT 03:59 2018 الأحد ,01 تموز / يوليو

حروب أهلية تجتاح العالم

GMT 00:04 2018 الأربعاء ,04 إبريل / نيسان

عن "جيش الإسلام" و"أكذوبة التهجير"

GMT 05:25 2018 السبت ,17 آذار/ مارس

الوضع في سورية سيزداد سوءاً

GMT 22:13 2018 الثلاثاء ,06 آذار/ مارس

عن «الغوطة الشرقية»... بلا رياء أو تدليس

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أكاذيب وحقائق أكاذيب وحقائق



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 19:13 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 عمان اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 18:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025
 عمان اليوم - مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 09:01 2020 الجمعة ,30 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 أكتوبر / تشرين الأول لبرج الاسد

GMT 21:16 2020 الثلاثاء ,30 حزيران / يونيو

لا تتهوّر في اتخاذ قرار أو توقيع عقد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab