نعود بذاكرتنا شهرين للوراء، «Flashback» كما يقال بلغة السينما، ونحاول وضع الأحداث في سياقها وحسب تسلسلها:
الثامن عشر من شباط الفائت، الجيش السوري يبدأ عملية الغوطة الشرقية الكبرى بقصف مدفعي وجوي مركز، وما أن يحل شهر آذار، حتى تكون وحداته نجحت في تقطيع أوصال الغوطة، واسترجعت العديد من القرى والبلدات.
الفصائل المحسوبة على المحور التركي – القطري، تبرم اتفاقاً مع دمشق، برعاية الوسيط الروسي، الاف المقاتلين من أحرار الشام والنصرة وفيلق الرحمن، يغادرون إلى إدلب مع عائلاتهم (حوالي 40 ألف نسمة)، والجيش السوري يدخل عربين وزملكا وجوبر.
جيش الإسلام يحمل على «خيانة وغدر إخوة السلاح»، المحسوبين على قطر وتركيا، الذين غادروا إلى إدلب، فيما جيش الإسلام، المحسوب على السعودية، لن يجد ملاذاً آمناً له، فرأسه مطلوب من الفصائل المذكورة، وعلاقاته بأنقرة ملتبسة للغاية.
دمشق تشرع في حوار عبر الوسيط الروسي، لإخلاء دوما من المسلحين أو تسوية أوضاعهم، وصولاً لاتفاق ينص على إطلاق سراح آلاف المختطفين من مدنيين وعسكريين لدى جيش الإسلام، وتوجه من لا يريد منهم تسوية أوضاعه إلى جرابلس، ومن ضمن صفقة عرفت باسم «الغوطة مقابل عفرين».
في اليوم الأخير من آذار الفائت، دونالد ترامب يفاجئ العالم بأن قوات بلاده ستنسحب من سوريا في وقت «قريب جداً»، تاركة سوريا للأطراف الأخرى تتدبر أمرها، من دون أن يوضح من هي هذه الأطراف ولا كيف ستتدبر أمرها، مبقياً الباب مفتوحاً أمام احتمال التمديد لهذه القوات، إن حصل على مبلغ 4 مليارات دولار من السعودية والإمارات.
بعدها بيومين، تصدر عن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، انتقادات للقرار الأمريكي، وتأكيدات على ضرورة بقاء القوات الأمريكية في العراق لاحتواء النفوذ الإيراني، أقله على المديين المباشر والقريب، من دون أن يوضح ما إذا كان على استعداد لدفع المبلغ الذي طالب به الرئيس الأمريكي.
تبدأ قوافل الحافلات بنقل المسلحين وعائلاتهم من دوما، ويخرج من المدينة أكثر من أربعين ألف مدني عبر ممر بوابة الوافدين، ليتوزعوا على معسكرات الإيواء التي أمنتها الحكومة السورية.
فجأة ودون مقدمات، يقع انقلاب داخل جيش الإسلام، ويجري الإجهاز بالقتل والاعتقال على قيادته التي خاضت غمار المفاوضات مع دمشق، وتوصلت إلى اتفاق معها، يختفي أبو همام البويضاني، ويقال إنه سلم نفسه للشرطة الروسية، ويتولى أبو قصي وأبو عبد الرحمن كعكة مقاليد القيادة، ويتوقف العمل بمفاعيل الاتفاق.
الجيش السوري يشن هجمة قوية على دوما، بثت معظم فصولها على الهواء مباشرة، ويضيق الخناق على جيش الإسلام، وأهالي المدينة يخرجون في تظاهرات منددة بالانقلاب داخل جيش الإسلام، ويطالبون باستئناف إخراج المسلحين وإتمام المصالحات.
في فاصل زمني من ساعتين أو ثلاث، يقع «الهجوم الكيماوي»، ويُتهم النظام بارتكابه، ويبدأ التحشيد الدولي، الدبلوماسي والإعلامي والعسكري المنسق والمنظم، من أجل توجيه ضربة عسكرية للنظام.
يواصل النظام هجومه إلى أن يرضخ قادة جيش الإسلام الجدد لشروط الاتفاق من جديد، تحت ضغط التقدم السريع للقوات السورية والغضب الشعبي في مدينة دوما، وتستأنف عمليات الإفراج عن المدنيين والعسكريين المخطوفين، وتدخل الحافلات لإجلاء من يرغب من مقاتلي جيش الإسلام وعائلاتهم إلى جرابلس.
هل كان النظام بحاجة لاستخدام الكيماوي، وهو الذي كان يواجه مسلحين منقسمين على أنفسهم، ويتقدم بسرعة البرق، ويجد تجاوباً من سكان بلدة دوما؟ ... من له مصلحة في حكاية الكيماوي، لتغيير تجاه تطور الأحداث؟ ... تكهنات هنا وأخرى هناك، لا تغني أبداً عن التحقيق الدولي النزيه والمستقل، هذا إن كان هناك هجوم كيماوي في الأصل.
المصدر : جريدة الدستور
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع