بقلم :عريب الرنتاوي
قد لا تكون مائدة المفاوضات حول مستقبل منطقة “خفض التصعيد” جنوب سوريا، التأمت ... لكن عمليات سبر النوايا وأغوارها، تجري عبر وسائل الإعلام بكثافة هذه الأيام ... وقد لا يكون الاتفاق النهائي حول هذه المنطقة أبرم بين الأطراف ذات الصلة، لكن ثمة ما يشي بأن عروضاً شفوية وتفاهات عامة، قد تم تبادلها خلال الأيام والأسابيع القليلة الفائتة، وفي التفاصيل:
سراً وعلانية، عبّرت موسكو عن رغبتها في خروج القوات الإيرانية والميليشيات المقربة منها والمحسوبة عليها، من سوريا، بدءاً من جنوبها ... روسيا قد توافق على انسحاب “ممرحل” و”متدرج”، لكن وجهة الموقف الروسي باتت واضحة في هذا الاتجاه، وهي تستجيب بدرجة أقل من الحماسة، للموقفين/الشرطين، الأمريكي والروسي حيال مستقبل الأزمة السورية ... تصريحات القادة الروس في هذا المجال، قطعت الشك باليقين، وفي القنوات الدبلوماسية، يجري تناول المسألة بلغة أوضح بالطبع.
طهران ودمشق، تتبعان تكتيكاً منسقاً على ما يبدو، يبدأ أولاً؛ بالتشديد على “شرعية” الوجود الإيراني في سوريا، بوصفه جاء استجابة لطلب حكومتها الشرعية ... ويمر ثانياً؛ بنفي وجود قواعد إيرانية خاصة في سوريا، واقتصار الأمر على خبراء ومستشارين يقدمون الدعم والإسناد “الأخويين” للجيش السوري ... وينعطف ثالثاً؛ على تأكيد خلو جبهة الجنوب من القوات الإيرانية أو الميليشيات الموالية لها ... وينتهي رابعاً؛ بالسعي للوصول إلى رزمة شاملة في جنوب سوريا، تشتمل من بين عناصر أخرى، على تفكيك قاعدة “التنف” العسكرية الأمريكية، مقابل ضمانات بعدم اقتراب إيران والمليشيات من خط الجبهة الجنوبية.
إسرائيل، ومن خلفها الولايات المتحدة، وتحت ستار كثيف من “التهديد” و”الوعيد”، وأحياناً الضربات الجوية والصاروخية، تبديان استعداداً جدياً للانخراط في تسوية كهذه، ولا شك أنهما تسعيان في رفع كلفة “الاتفاق المنتظر” على الجانب الإيراني بخاصة ... من قمة بوتين نتنياهو إلى لقاء شويغو – ليبرمان، يبدو أن البحث دخل في التفاصيل، ومن بينها العودة إلى اتفاق “فك الاشتباك” وإعادة قوات الفصل والطوارئ الدولية، واستعادة سنوات الهدوء على خط الحدود (1974-2011).
لا شيء نهائياً بعد، وكل طرف يسعى في تحصين مكتسباته وتحسينها، ورفع كلفة الاتفاق على الطرف الآخر ... سوريا تريد لكامل حدودها الجنوبية أن تعود لسيادتها، إيران تدعم هذا الموقف ولا تستطيع أن تعارضه، بل أنها وهي التي تواجه وضعاً إقليميا ودولياً صعباً، لم تتردد في دعم الجهود الروسية لإعادة السيادة السورية على خط الحدود ... في المقابل، تسعى واشنطن وتل أبيب، إلى توسيع “رقعة الأمان” الخالية من أي وجود أيراني أو “ميليشياوي” في الجنوب، وتريد لتفاهماتها مع الطرف الآخر أن تفضي إلى شق مسار إنهاء الوجود الإيراني في سوريا ككل، وإضعاف حزب الله على نحو خاص.
حزب الله، الذي حولته سنوات الأزمة السورية والربيع العربي، إلى لاعب إقليمي، يبدو أكثر ميلاً للانخراط في دهاليز السياسة اللبنانية المحلية، وهو سجل اهتماماً بقضايا التأليف والتكليف وبرنامج الحكومة وتشكيلتها، وقبلها الانتخابات ونتائجها، كما لم يفعل في أي وقت مضى منذ العام 1982، وهو مؤشر على ميل الحزب للانكفاء للشأن اللبناني المحلي، بعد أن ارتفعت كلف الدور الإقليمي المتضخم للحزب.
عناصر الصفقة التي يجري تداولها، يمكن إيجازها على النحو التالي: (1) عودة الجيش وأجهزة الدولة السورية، المدنية والأمنية والعسكرية إلى خط الحدود مع الأردن والجولان المحتل ... (2) ترتيبات لنقل النصرة وداعش إلى مناطق “لجوئهما” المعروفة: إدلب والبادية الشرقية، أو مواجهة خطر التصفية والاجتثاث ... (3) مصالحات محلية وتسويات لأوضاع فصائل المعارضة المسلحة وجيش العشائرـ، تلحظ تحول بعضها إلى وحدات شرطية محلية، تحت إشراف روسي، وفي ظل سيادة الدولة السورية ... (4) إبعاد أي وجود إيراني، رسمي أو ميليشياوي مسافة أمان كافية (25-50 كم) شمالاً ... (5) فتح معبر نصيب/ جابر الحدودي بين الأردن وسوريا، توطئة لاستئناف حركة الأفراد والبضائع والخدمات، وتمهيداً لعودة ما بين 250-300 ألف لاجئ سوري من أبناء تلك المنطقة إلى ديارهم، كما يأمل الأردن على نحو خاص... (6) تفكيك قاعدة “التنف” الأمريكية، وهي قضية ما زالت موضع شد وجذب بين موسكو ودمشق من جهة وتل أبيب وواشنطن من جهة ثانية.
التفاوض “عبر الإعلام” تناول مختلف هذه العناوين، وأوضح “المواقف التفاوضية الابتدائية” لمختلف الأطراف حيالها... والاجتماع الثلاثي الأردني – الروسي – الأمريكي على مستوى نواب وزراء الخارجية، قد يكون مناسبة لوضع المزيد من النقاط على الحروف ... وما لم يطرأ ما ليس في الحسبان، فإن من المنتظر إن تبصر “الصفقة” الخاصة بجنوب سوريا النور، وبديل الإخفاق في ذلك، ربما يكون المزيد من المواجهات الدامية، التي يبدو أن الأطراف تستعد لها كما لو أنها واقعة غداً، مع أنها لا ترغب في الانزلاق إلى أتونها أبداً.
المصدر : جريدة الدستور
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع