ابتهاج «الممانعة» وبكائيات «الاعتدال»

ابتهاج «الممانعة» وبكائيات «الاعتدال»

ابتهاج «الممانعة» وبكائيات «الاعتدال»

 عمان اليوم -

ابتهاج «الممانعة» وبكائيات «الاعتدال»

عريب الرنتاوي

مظاهر الابتهاج تهيمن على إعلام “المقاومة والممانعة” هذه الأيام، تقابله هستيريا من القلق والتوتر تطغى على إعلام “الاعتدال العربي”، والسبب قرار موسكو بالنزول إلى ميادين الحرب الدائرة في سوريا وعليها ... الفريق الأول، يعتبر الأمر انتصاراً لمعسكره، ويَعِدُ الأمر تحولاً استراتيجياً في خيارات موسكو لصالح الاقتراب من خنادق هذا المحور ... الفريق الثاني، يعيش حالة من “البكائيات” المستمرة والمبثوثة على الهواء مباشرة، ينعى تخاذل الغرب وخذلانه لحلفائه، وتراجعه عن وعوده وتعهداته السابقة، ويتصرف كـ “الزوج المخدوع” الذي ضبط زوجته للتو، على سرير واحد مع ألد خصومه ومنافسيه.

والحقيقة أن كلا الفريقين، يبالغ في تقدير طبيعة الخطوة الروسية في سوريا ... روسيا لم تكن يوماً في حلف “المقاومة والممانعة”، وهذا المصطلح لم يندرج أصلاً على ألسنة المسؤولين الروس أو خطاباتهم، ودخولها المباشر إلى سوريا، يرسم في أحد أوجهه وجوانبه، سقوفاً للدور الإيراني في بلاد الشام، وقبل هذا وذاك، روسيا ليست بوارد دعم المقاومة لإسرائيل، ولا هي معنية بشرايين الحياة الممتدة من طهران إلى الضاحية الجنوبية، وتطمينات بوتين لنتنياهو، ذهبت في هذا الاتجاه، وهي تطمينات تستبطن موافقة سورية رسمية على مضامينها الخاصة بانعدام النيّة لفتح جبهة الجولان ... روسيا وضعت هدفاً لها: محاربة داعش وحفظ الدولة والنظام في سوريا، أما “المقاومة والممانعة” فليست من مفردات القاموس السياسي الروسي... وعلى الذين فاتتهم أنباء سقوط الاتحاد السوفياتي ونزع “اللون الأحمر” عن الجيش الروسي، أن يستدركوا مواقفهم، قبل أن تداهمهم التطورات من حيث لا يحتسبون، وحتى لا يعانون من الخيبة والصدمة، حين تخيب موسكو بعض ظنونهم أو كثيرٍ منها.

روسيا سائرة في ترتيب أوراقها في المنطقة عموماً، حساباتها تتخطى حسابات “محور طهران – دمشق – الضاحية”، علاقاتها في نمو مضطرد مع تركيا، وتجارتهما البينية ستصل في غضون سنوات إلى مائة مليار دولار ... وعيون موسكو، تتجه صوب دول الخليج العربية، السعودية بخاصة، وبوتين يجري من المكالمات والاتصالات مع القيادة السعودية، أكثر مما يفعل مع طهران ... وموسكو تعتقد أن لها مصالح في إسرائيل، وتتحدث عن إسرائيليين من أصول “سوفياتيه” سابقة، ترى فيهم جالية لها، ورعايا مع وقف التنفيذ، وعلاقات موسكو مع تل أبيب، تتطور باستمرار، برغم مروحة الخلافات الواسعة حول قضايا إقليمية عديدة.

معسكر “الاعتدال العربي”، يغذّ السير على الطريق ذاته، المرة تلو المرة، وفي كل مرة يتوقع أن يصل إلى نهايات مختلفة، وذلك ضرب من العجز والمراوحة بحسابات السياسة والاستراتيجيا ... لقد خبر مرات ومرات، خذلان واشنطن لحلفائها، لكنها وهو العاجز عن الاعتماد على الذات، واجتراح البدائل، يواصل سياسة الرهان على واشنطن، ووضع كل البيض في سلتها، إلى أن بلغ أدنى درجات التأثير في تقرير مصائر المنطقة، بل ومصائره الخاصة، وباتت ملفات المنطقة العربية، في أيدي لاعبين من خارجها ... لم يدرك هؤلاء حتى اليوم، أن واشنطن والغرب، لن يقاتلا دفاعاً عن أنظمتهم ومصالحها، وأن الجيوش الغربية، ليست “بلاكووتر” يجري استدعاءها “عند الطلب” ... لم يدرك هؤلاء أن المال والنفط، يقدران على شراء أشياء كثيرة، بيد أنهما قاصران وحدهما عن شراء أدوار إقليمية وقيادية نافذة ومقررة.

روسيا لا تضمر عداءً لمحور “الاعتدال العربي”، بل هي تقيم علاقات وثيقة مع بعض دوله وعواصمه، الأردن ومصر على سبيل المثال، وهي تسعى في نسج علاقات وثيقة مع دول الخليج، وبشكل خاص العربية السعودية، لكن لموسكو مصالحها وحساباتها التي لن تتنازل عنها لقاء عقد سلاح أو صفقة تجارية ... هذا الأسلوب المعتمد كورقة أساسية في سياسات بعض الدول العربية الخارجية، ثبت أنه غير صالح في التعامل مع الكرملين ... قد يكون أفلح مع الإليزيه، لكن المؤكد أنه أخفق مع الكرملين ... وعلى الدول العربية أن تنظر للتدخل الروسي في سوريا، من زاوية “نصف الكأس الملان”، فهو وإن كان سيوفر شبكة أمان للنظام السوري، إلا أنه سيلعب دور رأس حربة في الحرب على داعش، كما أنه سيؤدي دوراً حاسماً في توفير مخارج وبدائل لوقوع ما تبقى من سوريا في قبضة إيران المنفردة.

حالة الصمت التي تلف غرف صنع القرار في عواصم “عرب الاعتدال”، أربكت إعلامها ... والواضح أن ثمة مسافة بين المستويين السياسي والإعلامي في هذا الدول ... الرياض وحلفاؤها، ليسوا قلقين تماماً من التدخل الروسي في سوريا، هم لا يريدون تعويم نظام الأسد، ولكنهم في الوقت ذاته، لا يمانعون تحجيم الدور الإيراني في سوريا حتى وإن كان لحساب دور روسي متزايد، طالما أن العرب أخفقوا في أن يكون لهم دور بناء في تقرير مصائر واتجاهات الأزمة السورية ... إعلام الاعتدال، لم يتبلغ بعد، بتوجهات هذه العواصم التي تميل للترقب والحذر، لذا نراه يواصل بكائياته على “جنيف 1” ويمضي قدما في عدّ الأيام الأخيرة للرئيس الأسد، ويستحضر من أراشيفه مومياءات المعارضة السورية، الذين يكررون كالببغاء، الدروس والنصائح التي تلقوها من رعاتهم الإقليميين، لكأن التاريخ توقف عن العامين 2012 – 2013، ولكأن مياهاً كثيرة لم تجر في إنهار سوريا وجوارها، إنهم يعيشون حالة إنكار حقيقة، وانفصال كامل عن التطورات من حولهم.

الصدمة الأكبر التي أربكت المعتدلين العرب، تمثلت في “الاستدارة التركية” التي تكاد تقترب من الزاوية 180 درجة ... أردوغان الذي وعد المعارضة بأنه سيؤم قادتها– بمن فيهم جورج صبرا - ذات صلاة في المسجد الأموي، يتحدث اليوم عن دور للأسد في المرحلة الانتقالية، وتتقلص أحلامه السلطانية إلى مجرد “منطقة آمنة” في شمال سوريا، لم يجد من يدعم مطالباته فيها، إلى أن جاء التدخل الروسي في سوريا، ليضع حداً لأحلام اليقظة هذه... بعض “عرب الاعتدال” الذين عولوا على دور تركي واستظلوا به – قطر أساساً- يشعرون اليوم أنهم أمام لحظة تخلٍ وخذلان، لم يبق لهم من يكاتبهم، خصوصاً بعدما أعلن راشد الغنوشي من تونس، استعداد بلاده استضافة اجتماعات مصالحة عربية بينية، يشارك فيها الرئيس الأسد ؟!

omantoday

GMT 14:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 14:28 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 14:27 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 14:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 14:25 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 14:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 14:22 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 14:21 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ابتهاج «الممانعة» وبكائيات «الاعتدال» ابتهاج «الممانعة» وبكائيات «الاعتدال»



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 19:30 2020 الخميس ,28 أيار / مايو

ينعشك هذا اليوم ويجعلك مقبلاً على الحياة

GMT 09:44 2020 الجمعة ,30 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعه 30 أكتوبر / تشرين الأول لبرج الجدي

GMT 23:57 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

ينعشك هذا اليوم ويجعلك مقبلاً على الحياة

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab