عريب الرنتاوي
ثمة فيض من التقارير والمعلومات المتداولة في الصحفية والدبلوماسية الغربية، التي تتناول الموقف الأردني من الأزمة السورية، تلتقي غالبيتها، إن لم نقل جميعها، حول النقاط التالية: (1) الأردن بات أكثر اقتراباً (تماهياً) من المقاربة السعودية لهذه الأزمة ... (2) دخول أسلحة نوعية للمعارضة، ممولة سعودياً ومدعومة بضوء أخضر أمريكي، إلى سوريا عبر الحدود الأردنية ... (3) تدريب عدة آلاف من المتطوعين من الجنود المنشقين وأبناء العشائر المتطوعين في الأردن، وإرسال مئات منهم إلى سوريا ... (4) وجود غرفة عمليات مشتركة تضم مسؤولين أردنيين وأمريكيين وإماراتيين وسوريين (معارضة) على الأرض الأردنية، تدير هذا الملف وتشرف عليه مباشرة، وثمة تقارير تفصيلية تتحدث عن أسماء وأعداد وأرقام.
في المقابل، لا يوجد أي تعقيب أو توضيح رسميين لكل هذا الذي يجري تداوله من معلومات، لكن "النبرة" التي تطبع حديث المسؤولين الأردنيين، تشي بأن تغييراً جوهرياً قد طرأ على المقاربة الأردنية الحذرة للملف السوري، وابتعاداً نسبياً، أو بالأحرى جوهرياً، عن سياسة "النأي بالنفس" ... مثال ذلك حديث رئيس الحكومة عن استعداد لاحتمالات اندلاع حرب كيماوية شمالاً، وتسريبات لمسؤولين عن استعدادات لتجهيز البنية التحتية لـ"المنطقة الآمنة" في جنوب سوريا، وما قد يمليه ذلك، من إعلانها منطقة "حظر طيران" في خطوة لاحقة.
بعيداً عن تسريبات الصحافة و"همسات" الدبلوماسيين الأجانب، خرج وزير الخارجية السورية وليد المعلم قبل أيام، وفي حديث لكوادر إعلامية وحزبية وسياسية سورية، للتحذير من وجود محاولات لفتح "الجبهة الأردنية" في الحرب على سوريا، بعد أن تعثر مسار الجبهة التركية، واستعداداً لاحتمالات انسدادها في ضوء تفاقم مشكلات أردوغان وحكومته، وتعقد المشهد السوري في شمال سوريا وشرقها ... فيما المصادر العسكرية السورية، تتحدث عن وجود خمسة فرق عسكرية سورية منتشرة في المنطقة الممتدة من الحدود مع الأردن إلى جنوب دمشق، والتي لا تتعدى التسعين كيلومتراً، وتعد خاصرة رخوة في معركة العاصمة.
نحن إذن، بإزاء ما يشبه "إجماع المصادر" حيال ما يجري على الجبهة الشمالية وفي جنوب سوريا، وهو إجماع تؤكده ارتفاع حرارة الجبهات في درعا ومن حولها وفي أريافها، ودخول سلاح متطور إلى ميادين القتال فيها، بعد أشهر قليلة من نجاح قوات النظام، في إحكام سيطرتها على معظم هذه المناطق، وإعادة فتح طريق عمان – دمشق.
في ظني، أن تطورات كهذه، توجب علينا إعادة تعريف "المصالح الأردنية" في سوريا، وكيف يمكن صونها وتعظيمها في ضوء التطورات المتسارعة على الأرض، وفي مواقف الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة، والأهم في ضوء ما يشاع عن تغير من موقف الأردن وموقعه من هذه التطورات.
وأحسب أن المصلحة الأردنية العظمى في سوريا، إنما تتمثل في حفظ وحدة سوريا وتماسكها، دولة ومجتمع، وصون مؤسسات المدنية والعسكرية والأمنية ومنع انهيارها وتفتتها، والحيلولة دون انزلاق سوريا لحرب أهلية مديدة وفوضى شاملة، وقطع الطريق على محاولات تحويلها إلى ملاذ آمن ودائم للجماعات الجهادية، وضمان عدم وقوع الحكم فيها في أيدي الجماعات الإسلامية، بمن فيها الإخوان المسلمين، الذين لم يعد النظام الأردني، يرى فيهم حليفاً أو مشروع حليف.
وإذا كان تحقيق هدف/ مصلحة كهذه، أمراً يتخطى قدرات الأردن وطاقاته، فإن من باب أولى أن ترتكز الاهتمامات الأردنية على منع تحوّل جنوب سوريا إلى "أنبار ثانية" تتهدد أمن الأردن واستقرارها، كما حصل في الأعوام 2005 – 2008 في غرب العراق، حين اتخذت القاعدة بزعامة الزرقاوي من "الأنبار الأولى"، قاعدة انطلاق لضرب الأردن في قلبه وصميمه.
في العراق، كانت "الصحوات العشائرية" أداة الأردن والغرب (الولايات المتحدة) لمطاردة القاعدة واستئصالها من ملاذها الآمن ... أما في جنوب سوريا، فإن وحدات المتطوعين في "الجيش الحر" وبعض أبناء العشائر السورية من غير أصحاب الخلفيات الإسلامية، هم "فرس الرهان" لتحقيق هذه المهمة.
لا يستطيع الأردن الذي يعوّل كثيراً (عن خطأ أو صواب) على علاقاته مع السعودية والإمارات والولايات المتحدة، أن يحمي مصالحه في جنوب سوريا بالتنسيق مع النظام في دمشق والتعاون معه، فكلفة هذا الخيار الذي يدعو البعض للأخذ به، صعبةٌ عليه ... ولا يستطيع الأردن من جهة ثانية أن يقف متفرجاً فيما "النصرة" وعشرات الكتائب المسلحة تتخذ من هذه المنطقة قاعدة وحصناً لوجودها ... ولا يستطيع الأردن من جهة ثالثة، أن يتساوق حتى نهاية المطاف، مع "الأجندة السورية" للسعودية وحلفائها فهي تصطدم بما نعتقده مصلحة أردنية عليا ... لذلك كله نرى "تغيراً جدياً" في وجهة السياسة والمقاربة الأردنيتين لم يصل بعد، إلى مستوى "الانجراف" إليها و"الانخراط النشط" فيها: الأردن يقترب من السعودية من دون أن يتماهى معها، يصطدم بالنظام السوري من دون أن يقطع "شعرة معاوية" مع دمشق، يولي اهتماماً بجنوب سوريا بخاصة، من منطلق اهتمامه بأمن عمان وإربد والزرقاء وليس بمصير دمشق وحلب ودير الزور ومن سيحكمها (كما تفعل السعودية)... وكل ذلك بانتظار أن ينقشع غبار المعارك الميدانية والدبلوماسية، وتتضح معالم الوجهة التي ستسلكها التطورات في سوريا، حرباً وسلماً، وتتضح معها، مصائر النظام والمعارضة ومصير سوريا والمنطقة برمتها.
وفي كل الأحوال، فإن من حق الأردنيين جميعاً، أن يخرج عليهم من داخل الحكومة، من يضع الأمور في نصابها، وأن يتقدم بـ “رواية أردنية" واضحة لما جرى ويجري، بعيداً عن "الرواية الوعظية" التي لا تغني ولا تسمن من جوع، حتى لا نظل نهباً لروايات الآخرين وقراءتهم، وحتى يتوقف "موسم هجرة المقالات والكتاب" الأردنيين إلى الصحافة اللبنانية والعربية.
نقلا عن موقع القدس للدرسات السياسية