عريب الرنتاوي
لا يستطيع الأردن الاعتصام بحبل “النأي بالنفس” في الحرب على الإرهاب ... “داعش” تهديد للأمن الوطني الأردني، مثلما هي تهديد لأمن الإقليم والعالم ... لكننا في المقابل، ندرك أن قراراً بالانخراط في التحالف الدولي ضد “داعش”، تعمل واشنطن على بنائه، وتتطوع دولٌ عديدة، حتى من خارج دائرة أصدقاء الولايات المتحدة للانخراط به، نقول إن قراراً كهذا، لا يمكن أن يكون بلا ثمن، وعلينا أن نكون مستعدين وحذرين على حد سواء.
عندما يكون التهديد زاحفاً، فأنت لا تستطيع الجلوس على مقاعد الانتظار حتى تصل ألسنة النار إلى غرفة نوم أطفالك ... عليك أن تتصدى للحريق وهو على أطراف المنزل، وحيث ستكون الفرصة متاحة لإطفائه بأقل قدر من الخسائر ... لكن الحريق إن شبّ في غرف النوم والجلوس، سيكون إطفاؤه صعباً ومكلفاً للغاية ... هذا هو الخيار المتبقي للأردن، بل ولمختلف دول المنطقة، من اكتوى منها بنار الإرهاب، ومن ينتظر.
سنسمع كلاماً كثيراً وأسئلة أكثر، تذهب في اتجاه معاكس تماماً، منها ما حاجتنا للانخراط في أوحال مثل هذه التحالفات ... وسيخرج علينا الذين استجدوا واستعجلوا التدخل العسكري الأمريكي في سوريا ضد نظام الأسد، بانتقادات لاذعة للانضواء في تحالف دولي تقوده الولايات المتحدة ضد “داعش”، وسيحدثونك عن السيادة وعدم التدخل وأخطار التحالف مع “الشيطان... لندع هذه الأصوات جانباً، فأصحابها يظنون، وبئس ما ظنوا، بأنهم حيث يكونون، يكون الشرع والشريعة والشرعية، هم سدنة الحقيقة والحق، أما الآخرين فهم غالباً، إن لم نقل دائماً، على ضلال مبين.
على أننا ونحن تنتظرنا جولة جديدة من “الحرب على الإرهاب”، علينا أن نفكر ملياً هذه المرة ... ثمة في واشنطن وفي بعض دوائر الغرب، من يفكر أو قد يفكر، في جعلها حرباً لتسوية الحساب مع محور بأكمله ... ستضغط أطراف من أجل جعل حربها على “داعش”، حرباً على الإخوان المسلمين أو حماس أو حزب الله، أو حتى النظام السوري ... هذه ليست حربنا على الإطلاق ... ليس لأننا نفرق بين مقاومة حماس وحزب الله من جهة وإرهاب “داعش” من جهة أخرى، بل لأننا نرى كذلك، أن هذه المنطقة اكتوت بنار المحاور وصراع الأجندات، وقد آن أوان التعامل مع التهديد المشترك، بوصفه فرصة لبناء جسور عيش مشترك بين مختلف مكونات هذه المنطقة ودولها وشعوبها.
سنواجه بموقف أمريكي، يرى في الأسد ونظامه جزءاً من المشكلة لا جزءاً من الحل أو شريكاً في التحالف الدولي ... مثل هذا الأمر سيدخلنا أكثر في ثنايا الأزمة السورية، وسيعقد علاقاتنا مع محور إقليمي – دولي طويل وعريض ... هذا ليس شأننا، فنحن نعرف من أين تهب على أمننا واستقرارنا رياح التهديد، وعلينا أن نقف عند حدود حفظ أمننا الوطني والقومي، نقطة أول السطر.
وأحسب أن قنوات التواصل السياسي والدبلوماسي، تطفح بالأفكار والمشاريع التي تتناول أزمة سوريا وضرب “داعش” فيها، ودور النظام السوري والموقف منه ... هنا تبرز ثلاثة سيناريوهات تلتقي جميعها عند قاسم مشترك أعظم واحد:
قبول النظام السوري ورفض رأسه ورئيسه ... من هذه السيناريوهات ما يدعو لتغيير الأسد على طريقة المالكي، أي بالمجيء برجل من داخل الحلقة الضيقة للنظام الحاكم في سوريا، ثمة مشكلة رمزية ونفسية في التعامل مع الأسد شخصياً، لم تعد هناك مشكلة مع النظام أساساً، وقد غاب الحديث عن جرائم الحرب ومجرميها... لكن مشكلة هذه السيناريو، أنه يتجاهل أن الأسد غير المالكي، وأنه بات “حجر سينمّار” الحزب والطبقة والطائفة والنظام في سوريا، ولا أدري إن كان استبدال الأسد بأحد أعوانه، كما حصل في العراق، أمراً ممكناً في سوريا.
السيناريو الثاني، ويتحدث عن نقل صلاحيات الرئيس إلى حكومة انتقالية، فيبقى الرجل في مكانه لفترة انتقالية، وبصلاحيات رمزية واحتفالية فقط، مثل هذا السيناريو لم ينجح قبل تفاقم خطر “داعش”، وحين كانت “الثورة” السورية في ذروة صعودها، فهل يمكن إنجاحه فيما “شبح داعش” يسيطر على المنطقة برمتها، وفيما غابت “الثورة” عن سوريا ولم يبق منها سوى جماعات النصرة وزهران علوش وبعض الكتائب والفصائل التي يصعب تمييزها عن “داعش”.
أما السيناريو الثالث الذي يجري تناوله، فهو تشكيل حكومة موسعة، بالتنسيق مع روسيا وإيران، وتوزيع الصلاحيات بينها وبين الرئاسة في سوريا، على أن يتم توفير شبكة أمان إقليمية ودولية لها، تدير مرحلة انتقالية، تنتهي بدستور جديد وانتخابات جديدة ونظام سياسي جديد ... مثل هذا السيناريو يتطلب إنجاز توافق دولي، تحول دونه عودة الباردة بين المعسكرين الدوليين على خلفية أزمة أوكرانيا من جهة، ومآلات التفاوض بين إيران ومجموعة “5+1” حول برنامج إيران النووي، وهي عقبات من الصعب حسمها قبل نهاية العام الجاري في أقرب تقدير ... ولا ندري أين سيستقر الحراك الدولي حول هذه المسألة وعلى أية سيناريو سترسو سفينة التوافق والتحالف الدوليين.
على أية حال، الأردن جزء من هذا الجدل، ومن منظور المصلحة الوطنية الأردنية، فإن “داعش” هي الخطر المحدق بأمن الأردن، سواء جاء العبادي وغادر المالكي، أو رحل الأسد أم بقي، بصلاحيات منقوصة أو بلا صلاحيات ... لسنا طرفاً فاعلاً حين يتصل بتقرير مصائر البلدين العربيين المحوريين ... بيد أننا طرف فاعل، إن لم يكن الأفعل، حين يتصل بأمننا واستقرارنا، وعلينا خوض غمار هذه المواجهة، لكن التأني مطلوب، والتأني كما تعلمون، غير النأي، ولا بُدّ مما ليس منه بُدُّ.