دروس الجدل النيابي حول صفقة الغاز

دروس الجدل النيابي حول "صفقة الغاز"

دروس الجدل النيابي حول "صفقة الغاز"

 عمان اليوم -

دروس الجدل النيابي حول صفقة الغاز

عريب الرنتاوي

بعد يومين من المناقشات الساخنة في مجلس النواب، يصرح الدكتور أمية طوقان وزير المالية، بأن الحكومة ماضية إلى توقيع صفقة الغاز، إسرائيلي المصدر، المثيرة للجدل، الأمر الذي يثير جملة من الأسئلة والتساؤلات حول موقع المجلس ودوره في عملية صنع السياسة الخارجية والرقابة عليها و”تصحيح” مساراتها، عملاً بالتفويض الدستوري الذي يمنح للمجلس دوراً رقابياً وتشريعياً، والأهم، دوراً تمثيلياً لـ “الشعب مصدر السلطات”.

لسنا هنا بصدد مناقشة “الصفقة”، ما لها وما عليها، فقد أشبعت بحثاً، ولم يبق أحدٌ من مؤيدها ومعارضيها إلا وأدلى بدلوه في هذا الجدل المثير للاهتمام حقاً ... ما نحن بصدده اليوم، إنما يتصل بمجلس النواب، صورته وهيبته ومكانته في نظامنا السياسي ... صحيح أن الدستور لا يلزم الحكومة بعرض “الصفقة” على المجلس، كونها “اتفاقاً فنياً تجارياً” لا اتفاقية مُنشئة لحقوق وامتيازات، لكن الصحيح كذلك أن إدارة الظهر لغالبية نيابية واضحة، أمر سيترك أبلغ الآثار السلبية على صورة المجلس وهيبته، ودرجة ثقة المواطنين به وبالعملية الانتخابية التي جاء في إثرها.

نعرف أن قرارات ومواقف بعض النواب أو كثير منهم، ذات طبيعة عاطفية، وأحياناً تندرج في إطار الشعاراتية / الشعوبية، ونعرف أن تجربة مجالسنا المتعاقبة أظهرت ضعفاً مروعاً في متابعة النواب لمطالبهم وأطروحاتهم، كتلك المتعلقة بصفقة الغاز، وأنهم يحجمون عن استخدام ما يتيحه لهم الدستور ونظامهم الداخلي من أدوات للضغط على الحكومة للاستجابة لمطالبهم وتوجهاتهم، من مثل حجب الثقة عن الحكومة كما قال الدكتور طوقان، لكننا نعرف أيضاً، أن حصيلة هذا التآكل في صورة المجلس وهيبته ومكانته، من شأنها أن تلقي بظلال كثيفة وكئيبة على مشروع الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي في بلادنا، كما أنها تخل بالتوازن القائم على معادلة النيابة والملكية وفقاً للنص الدستوري.

المجلس لا يريد إتمام الصفقة بأغلبية واضحة، والحكومة ماضية في التوقيع عليها، وهي لن تتهرب من مسؤوليتها كما قال وزير المالية، وستتحملها أمام المجلس، حتى وإن أدى ذلك إلى خضوع الحكومة لتجربة حجب الثقة ... لكن المجلس لن يحجب الثقة، فتكون النتيجة عاصفة كبرى من الجدل النيابي في فنجان قهوة سادة من الحجم الصغير، ومزيدا من الضعف والإضعاف لمكانة المجلس في عملية صنع القرار والسياسة والتشريع،  وأدائه لأدواره الرقابية والتشريعية والتمثيلية.

لسان حال الحكومة يقول: لا يمكننا أن نرهن مصائر قطاع الطاقة، ومصالح البلاد والعباد، بـ “سوق عكاظ” أو بازار انتخابي كما حصل في الأيام الماضية، وهذا القول صحيح إلى حد قد يكبر أو يصغر، ليس هذا هو المهم ... المهم أن الحكومة كانت ستفكر للمرة الألف، قبل الكشف عن نيتها إنجاز الصفقة، لو أنها كانت على يقين من أن المجلس سيلجأ إلى صلاحياته الدستورية ويشرع في عملية التحضير لحجب الثقة عنها.

على أية حال، ربما تفسر هذه “الحالة الشاذة” إصرار الحكومات المتعاقبة على الاستمساك بنظام “الصوت الواحد” المفضي حتماً لانتخاب برلمانات ضعيفة، قاصرة حتى عن استنفاذ صلاحياتها الدستورية، برلمانات قائمة على “الفردية” وليس على “القوائم” و”الكتل” و”البرامج” الحزبية والسياسية الوطنية، فأكثر هذه البرلمانات شغباً في وجه الحكومة، يظل محجماً عن استخدام مختلف أدوات الرقابة، وأهمها حجب الثقة عن وزير أو الحكومة برمتها.

لكن مقابل هذه “المكاسب” التكتيكية التي تحققها البرلمانات تأسيساً على ضعف البرلمانات، فإن كفة الخسائر الناجمة عن استمرار وضع كهذا، تبدو راجحة تماماً، فالبلاد بحاجة لبرلمان قوي، يملأ فراغاً لطالما عبثت به قوى الغلو والتطرف، والبلاد بحاجة لبرلمان، يلعب دور “المصد” عن الدولة ، والبلاد موعودة بحكومات برلمانية، وهذه بحكم طبيعتها لا يمكن أن تنبثق إلا عن برلمانات قوية، وكل هذا وذاك وتلك، لا يمكن أن يتحقق إلا بإصلاح حقيقي/ جذري لقانون الانتخاب، يضع حداً لمسار التراجع والتآكل في دور السلطة التشريعية ومكانتها.

ولا يجب يكون مصير الحكومة، أي حكومة، باعثاُ على القلق أو التحسب من الإقدام على إصلاح قانون الانتخاب، فرحيل حكومة ليس بالأمر المقلق ولا الخطير، حتى وإن تم ذلك بحجب الثقة النيابية عنها، المقلق والخطير هو أن يفقد الأردنيون الثقة والإيمان بمؤسسات الدولة، المنتخبة منها بشكل خاص، والمجلس النيابي بصورة أخص، فهو محور ثانٍ لنظامنا السياسي، مقترن بالمحور الخاص بالملكية الوراثية، ومثلما يجمع الأردنيون على “الملكية” كنظام لهم يثقون به ويلتفون من حوله، فمن الواجب أن يتحقق إجماعهم على الشق “النيابي” لهذا النظام، وأن تتعزز ثقتهم به والتفافهم من حوله كذلك.

ما حصل في الأيام الماضية، “درس” بالغ الدلالة، ليس الأول من نوعه ولن يكون الأخير، وقد آن أوان التعلم من دروس تجربتنا الخاصة، بإرادتنا الحرة والطوعية، بصورة أفضل وأقل كلفة، وبما يحفظ مصالحنا واستقرارنا، راهناً ومستقبلاً، والأهم من كل هذا وذاك، أن نترجم هذه الدروس المستفادة، إلى سياسات وإجراءات وتشريعات إصلاحية، وقبل فوات الأوان. 

omantoday

GMT 14:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 14:28 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 14:27 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 14:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 14:25 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 14:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 14:22 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 14:21 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دروس الجدل النيابي حول صفقة الغاز دروس الجدل النيابي حول صفقة الغاز



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 19:13 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 عمان اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 18:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025
 عمان اليوم - مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab