عريب الرنتاوي
اليوم أو غداً، سينتهي الائتلاف الوطني السوري المعارضة، من انتخاب رئيسه ومعاونيه، وكذا الأمر بالنسبة لحكومة المنفى ومجلسها العسكري ... الخبر لم يعد مثيراً أبداً، فمثل هذه المناسبات باتت معروفة المقدمات والنتائج، وغالباً ما تنتهي بانسحاب هذا الفريق أو “حرد” ذاك، قبل أن تنجح الوساطات والمساعي الحميدة في “جمع الشمل” من جديد، وغالباً تحت ضغط “المصالح الوطنية العليا” وتحت إلحاح “المنعطف التاريخي” الذي تمر به “الثورة” السورية، فمعاذ الله أن تكون خلافات الأخوة والأشقاء، ضرباً من صراع “المصالح الشخصية” أو رجع صدى لتنافس أجهزة الاستخبارات العربية والإقليمية والدولية (؟!).
أيام بعدها، ويدلف الرئيس الأسد، إلى ولايته الثالثة، سيؤدي يميناً دستورياً، ومن المفترض أن تتشكل حكومة جديدة، ما أفسح في المجال أمام فيض من التكهنات و”التسريبات” التي تتحدث عن احتمالات مشاركة رموز “وازنة” من معارضتي الداخل والخارج فيها، وبوساطة إيرانية، البعض يقول بمبادرة إيرانية، وهو أمر إن حصل، سيدخل الأزمة السورية في طور جديد، لكننا، وقد كنا عرضة لتكهنات و”تسريبات” مماثلة من قبل، نأخذ هذه الأخبار بكثير من التحفظ وانعدام اليقين.
لا قيمة جوهرية، على الأرض، للأخبار الخاصة بالائتلاف الوطني وحكومته ومجلسه العسكري، فهو بات خارج دائرة الفعل المؤثر، ولولا حاجة “المجتمع الدولي” لوجوده، لمناكفة النظام، لانهار بين عشية وضحاها، وسيكون الائتلاف أقل أهمية، إن صدقت الأنباء عن احتمال انسحاب الإخوان المسلمين من صفوفه، ومعهم بقايا المجلس الوطني السوري (هل تذكرون هذا الاسم؟)، لكننا مع ذلك سنتابع حركة التحالفات والتنقلات بين المحاور، للتعرف على تبدل أوزان اللاعبين العرب والإقليميين في صفوف الائتلاف، واتجاهات كل منهم المستقبلية حيال الأزمة السورية.
أما في دمشق، فإن مقدمات السابع عشر من تموز، تشي بنتائجه، ولقد رصدنا في هذه الزاوية بالذات، كيف انتقل الخطاب السياسي/ الإعلامي قبيل الانتخابات الرئاسية وبعدها، من تمجيد سوريا وجيشها، إلى تمجيد الرئيس والعودة إلى الطقوس البالية لـ “عبادة الفرد”، في وقت ما زالت فيه سوريا على المقصلة، وطناً ودولة ومجتمعاً واقتصادا ومستقبلا.
قبل أيام، التقيت بدبلوماسيا رفيعا، من دولة صديقة للأسد بل وحليفة موثقة لنظامه ... عرضت أمامه الحاجة لإطلاق مبادرة سياسية من دمشق، تستهدف إدماج المعارضات الوطنية في إطار حكومة توافق وطني انتقالية، يطلقها النظام، ويخاطب بها قوى عديدة في الداخل، وشخصيات ورموزا “وازنة” في الخارج، من بينهم معاذ الخطيب وهيثم مناع وسمير عيطة ... لكن لسان حال الدبلوماسي كاد يقول: “لا تشكيلي ببكيلك”، وأخذ يسرد قصصاً وحكايات تشف عن العقلية الضيقة والاستئثارية للحلقة الضيقة للنظام، وانتفاء قدرته على المبادرة والاحتواء ... ما أحال حذرنا و”تشاؤلنا”، إلى تشاؤم في إمكانية انطلاق ماكينة المبادرات السياسية، جنباً إلى جنب مع التقدم الذي يحققه النظام على العديد من الجبهات والمحاور.
ما نعرفه الآن -ونبدو متأكدين منه- أن النظام قد فتح معركة استرداد حلب على نطاق واسع، وستكون ثاني المدن السورية، في صدارة الأخبار السورية، حتى إشعار قريب ... مستفيداً من حالة الانهيار التي تعيشها مختلف المعارضات المسلحة، بمن فيها الجهادية، في مواجهة تسونامي “داعش” وطوفانها ... ما نعرفه -ونبدو متأكدين منه- أن النظام الذي يرقب باهتمام سقوط “قلعة” الغوطة الشرقية من داخلها، بعد القتال العنيف والحشود المتبادلة بين “جيش الإسلام” و”دولة الإسلام”، سيجدها فرصة سانحة تماماً للانقضاض على الجميع، وتحصين العاصمة ومداخلها وحزامه الاستراتيجي في مواجهة المسلحين ... كل هذه التطورات، تجعل النظام يشعر بكثير من الارتياح، وتعزز الانطباع بأن صفحة تنحيته وإسقاطه، قد طويت نهائياً، لا سيما بعد صعود “داعش” وتوسع إمارتها الإسلامية بما يشمل نصف العراق وأكثر من ربع سوريا... كل هذه التطورات، تضعف إمكانية إطلاق المبادرات السياسية وتفعيل مسار الحل السياسي للأزمة.
لكن النظام، يخطئ إن ظن أن المعالجات الأمنية والعسكرية وحدها، يمكن أن تحسم المشهد في سوريا، وأن تحسمه قريباً، وثمة تقديرات تسربت من دمشق، تقول إن نهاية العام الجاري، ستكون نهاية المعارك الكبرى في سوريا ... أحسب أن تقديراً من هذا النوع، يبدو ضرباً من المبالغة في غير محله، فما زالت القوى المعارضة على اختلاف صنوفها ومدارسها- وبالذات الجهادية منها- قادرة على إدامة القتال، ربما لسنوات عديدة قادمة، لا سيما أن الأفق ليس محملاً باحتمالات تصفية “داعش” في العراق قريباً، بل ان التقديرات تشير إلى أن الملف العراقي، بات مفتوحاً على الحروب والمواجهة التي قد تمتد لسنوات عديدة قادمة.
قلنا من قبل، ونعيد القول اليوم إن الحرب في سوريا وعليها، تتحول إلى حرب عبثية، تصطدم فيها مصالح أهل الحكم والنظام بـ “بزنس” المعارضة، بمشروع دولة البغدادي، في إطار من التنافس والصراع الإقليميين، الذي يجعل من الحرب على سوريا، وسيلة لتصفية الحسابات، ودائماً على حساب سوريا وأهلها.