عريب الرنتاوي
هل هو الانفجار وقت بات وشيكاً، أم أننا أمام فصل من فصول سياسة "حافة الهاوية"؟ ... هل هو سباق الحرب والدبلوماسية وقد بلغ ربع المتر الأخير في ماراثونه الطويل، وأيهما سيحرز قصب السبق؟ ... أين تتجه سوريا من هنا، وأعني بـ"هنا"، الغوطة بعد أن ظللتها سحابات السموم البيضاء القاتلة؟
خطان متعاكسان، يتوزعان أخبار سورية هذه الأيام ... خط الحشد العسكري وخيار القوة الشديدة و"العمل من خارج مجلس الأمن، واجتماعات الجنرالات قريباً في الأردن ... وخط الاتصالات الكثيفة بين موسكو وواشنطن، حيث النظراء من دبلوماسيي البلدين يستعدون للسفر إلى "لاهاي"، ومن بعدها لقاء كيري – لافروف، و"الهاتف الأحمر" النشط بين العاصمتين، وأحاديث عن وجوب إحياء "جنيف 2"، فيما الإبراهيمي يستعد للانتقال إلى جنيف بدلاً عن نيويورك، مترقباً اللحظة التي يقتنع بها الأطراف، بأن لا بديل عن الحل السياسي للأزمة السورية.
قوى التصعيد والحسم والتدخل، تقرع طبول الحرب، أعربت عن يقين "مريب" بأن سلاحاً كيماوياً قد استخدم في الغوطة، واتهمت النظام باستخدامه، حتى قبل أن يستيقظ العالم على حقيقة ما يجري، هل لأنها كانت تعرف مسبقاً بأن سلاحاً كهذا، كان سيستخدم؟ ... هل لأنها شريكة ومتواطئة في تحضير هذا السلاح ونقله والتدريب على استخدامه من قبل عملاء ووكلاء؟ ... هل لأنها اعتادت إطلاق الاتهامات الجاهزة والمُعلبة مسبقاً؟ ... هل لأن الريح السموم الذي هبّ من الغوطة، جاء بما تشتهيه سفنها؟
لكن لروسيا، مقاربة أخرى ... فهي سارعت إلى طلب التحقيق وعدم الاستعجال في إطلاق الأحكام النهائية والاتهامات الجزافية، ويقال، والقول على ذمة الراوي، أن أقمارها الاصطناعية، التقطت صوراً لصاروخ أو اثنين، انطلقا من ريف دوما، حيث يتمركز "لواء الإسلام"، وأن القنبلة الصفراء كانت مركّبة على الرأس القاتل ... وأنها قدمت لمجلس الأمن كل هذه الشهادات والوثائق، وأن الرواية الروسية تقاطعت إلى حد كبير من الرواية الأمريكية، وأن هذا هو السر وراء حذر واشنطن وترددها، بل وفي اتفاقها مع موسكو، على تسريع مسار التفاوض والعمل السياسي لحل الأزمة السورية.
المتفائلون بالحل السياسي، يرسمون سيناريو تفصيلي للمرحلة المقبلة، يشتمل على مواعد زمنية، تنتهي قبل نهاية العام، وهو يبالغون في تصوير حجم التوافقات والتفاهمات الأمريكية – الروسية، بل وتفهم مما يقولون ويسربون، أن "جنيف 2" باتت مسألة وقت، وأن قلق واشنطن من المعارضة الأصولية، ذات النفوذ الحاسم، قد بات يفوق قلقها من النظام نفسه، وأن يأسها من إمكانية "تغيير توازن القوى على الأرض"، قد بلغ مبلغه، بعد نفاذ الفرص التي منحتها لحلفائها في تركيا والخليج من أجل تمكين المعارضة من استرداد هذا"التوازن"، وأنها قررت على ما يبدو، الذهاب إلى الحل السياسي.
أما المتشائمون بالسياسة وحلولها وأدواتها، فهم يرسمون سيناريو تفصيلي آخر، يقوم على الحسم والضربات الجوية والملاذات الآمنة ومناطق حظر الطيران، حتى أن ما تسرب مؤخراً من معلومات، كشف عن "بنك الأهداف" التي سيطالها القصف الأمريكي لسوريا بالصواريخ "المجنحة"، والتي تشمل مواقع إطلاق وتخزين الصواريخ السورية، ومقار الحكومة والرئاسة والأركان وبعض القطاعات العسكرية، ويستند بعض المراقبين، إلى ما يجري على جبهة الحدود الأردنية – السورية، لافتراض أن مناطق حظر الطيران الآمنة، ستبدأ من الأردن، وتشمل جنوب سوريا، وبصورة تتهدد الخاصرة الجنوبية للعاصمة السورية دمشق.
والحقيقة أن تصريحات من نوع: أن جندياً أمريكياً واحداً لن يطأ الأراضي السورية، لا تقلل أبداً من قلقنا البالغ حيال ما قد يحدث في قادمات الأيام، فالتدخل البري لم يكن مطلوباً يوماً، وكل ما كان مطلوباً هو توجيه ضربات مركزة لمراكز سيطرة النظام وقيادته وتحكمه وقطعاته الرئيسية، وإعلان مناطق حظر طيران، يجري تأمينها على الأرض، بقوات محلية من المعارضة ... مثل هذا السيناريو الدامي، المثير للقلق والباعث على الفوضى، يبدو أنه بات مرجحاً ... يبدو أنه بات وشيكاً، بصرف النظر عن نتائج التحقيق في جريمة الغوطة.
وقد لا يكون هناك متسع من الوقت، لفعل الكثير، لتفادي السيناريو الأسوأ، لكن مسارعة النظام في دمشق، للاستجابة للنصيحة الروسية بالسماح لفريق المحققين الدوليين بتفتيش الغوطة، يبدو أمراً ضرورياً، على أن يتم من دون إبطاء ولا تردد، فهذه قد تكون الفرصة الأخيرة لترجيح خيار الحل السياسي، بعد أن رفعت دول "المحور الجديد"، مطرقتها فوق رأس النظام وسوريا والمنطقة، متذرعةً بالجريمة المروّعة في الغوطة، ولتي لم نعرف بعد، على محمل اليقين، من هو فاعلها.