كيف يمكن لك أن تدمر الشخصية المعنوية لإنسان فى أقل من 3 دقائق، ودون أن تتكلف دولاراً واحداً؟
الإجابة هى: وسائل التواصل الاجتماعى!
ببساطة، اخترع خبراً مفبركاً يسىء تماماً لخصمك أو عدوك، وسربه مجهول المصدر، أو مزور الهوية على «جروب على الفيس بوك» يتداوله أعضاء الجروب، ينتشر، فينشره موقع على أنه خبر حقيقى، فينقله عنه صحفى فى جريدة، فيصبح خبراً فى نشرة المساء، فيتحول إلى موضوع حلقة النقاش فى قناة تليفزيونية معادية، فيقوم نائب فى برلمان بلادك بتقديم استجواب فى المجلس حول الواقعة الخطيرة، فتقوم جهات التحقيق باستدعائك للتحقيق معك فى ما هو منسوب إليك، فينتهى الأمر بتبرئتك مما هو منسوب ومدعى ظلماً عليك، لكن خبر براءتك لا يرى النور إلا بشكل خجول.
وبعد مرور عشر سنوات على هذه الواقعة يأتيك ترشيح لمنصب عام، فيجدون فى ملفك أنك كنت متهماً فى موضوع ما كان محل اهتمام الرأى العام، وحينما تتبعت جهات أمنية تقارير لصالحك تثبت كذب هذا الادعاء، يأتى رأى سياسى يقول: «هو بالفعل برىء، ولكن دعونا نستبعده لأن صورته تشوهت عند الرأى العام».
هكذا تمر دورة تدمير الاسم المعنوى لإنسان عاش حياته يدرس ويبحث ويجتهد ويدافع عن شرفه المهنى، ونقاء ضميره الإنسانى، والتزامه الصارم بقواعد القانون، وباحترام السلطة التشريعية والنظام العام.
كم من «الضحايا» الأبرياء الذين تدمرت صورتهم المعنوية، وأصيبوا بحالات من الإحباط والاكتئاب، وضاعت منهم فرص عمل، وتردّدت أسر فى مصاهرتهم، ورفضت بنوك إقراضهم، وتوقفت شركات عن التعامل معهم.
فجأة تحولك الإشاعة من نجم مجتمع إلى «ملطشة»، وتتحول صورتك إلى جدار إبليس فى الحج يرجمك الناس من طلوع الشمس حتى مغيبها!
فجأة يصبح كل ما عشت حياتك تدافع عنه وتحرص عليه، مستباحاً مشوهاً، ويصبح جسدك مطروحاً على مائدة وحوش الرأى العام يعبثون بها بهمجية ويشربون حتى الثمالة كؤوساً من دمائك الذكية!
تدمير الشخصية المعنوية بسيط، سهل، غير مكلف، يحتاج إلى قليل من الخيال السياسى، وبعض من المعلومات الأساسية المعروفة والمتداولة.
تدمير الشخصية هو نوع من «الدعاية السوداء» التى أسسها «جوبلز» قائد الآلة الإعلامية الدعائية لدى هتلر.
تقوم فلسفة الدعاية السوداء على استخدام جزء من المعلومة الأساسية مثل أن «فلاناً» كان فى المكتب «الفلانى» والتقى فلاناً المسئول بالدولة، لمدة ساعتين (كل ذلك تم بالفعل)، لكن غير الصحيح هو أن اللقاء كان لمناقشة «عمولة فساد فى بيزنس»، بينما الحقيقة أن اللقاء كان شكوى من المواطن بسبب تأخر مستحقات شركته التى لم تدفعها له الدولة رغم إنجاز المشروع على أكمل وجه منذ 3 أعوام، مما يهدد كيانه بالانهيار! فى هذه الحالة يصعب معرفة هدف الترديد للخبر، هل كان للإضرار بالمسئول أم صاحب الشركة؟
بعد نشر الخبر الكاذب «حاول يا سيدى» أن تكذبه أو أن تغيير انطباع الرأى العام عنه، أو أن توقف كتائب الإعلام الأسود التى دندنت على أغنية الفساد المنسوب إليك، أو أن توقف المصالح التى تتقرر نتيجة هذه الإساءة الكاذبة الشريرة.
وتعيش فى مجتمعك ملطخاً بدماء جريمة لم ترتكبها، وبذنب لم تقترفه، وبتشويه لا تستحقه!
الاغتيال المعنوى كما وصفه د. عمر الحضرمى فى كتابه القيم «اغتيال الشخصية.. جريمة كاملة» هو عمل يصل إلى مصاف الجريمة المادية الكاملة لأنه يؤدى إلى إزالة الكثير من الاعتبارات الشخصية له أمام الرأى العام.
وفى القانون، يُقال: «نشر معلومات كاذبة وملفقة عن عمد يؤدى إلى ازدراء المجتمع لشخص المجنى عليه».
إن تشويه السمعة الطيبة لإنسان بالتشويه والافتراء من الكبائر الدينية، ومن أكبر السقطات الأخلاقية، ومن الأمور التى يجرمها صحيح القانون فى كل القوانين والدساتير المعتبرة على مر التاريخ.
ذلك كله لم يستثنِ أحداً من الإساءة إليك إلا أن السؤال الآن هو: اذكر اسم شخصية واحدة فى التاريخ لم تتم محاولة الإساءة إليها كذباً؟؟
أصبح الاغتيال المعنوى على شبكات التواصل الاجتماعى بالصوت والصورة والخبر «أسلوب حياة»، ومصدراً مقبولاً ومعتمداً لدى أصحاب النفوس المريضة وذوى الثقافات المحدودة والذين فى قلوبهم مرض لأنهم على استعداد دائم لقبول نظرية أن الكل فاسد إلا أنا!
لا أحد يدقق فى مصدر الخبر، ولا يمعن النظر فى مصداقية الوثيقة «المضروبة»، ولا فى تركيب الصوت المصنوع على شريط الفيديو، ولا على المونتاج البدائى الموجود على الفيلم المزور.
قابلية تصديق الفضيحة عندنا أقوى من التزام قواعد الأخلاق ومبادئ الدين، ونصوص القانون فى التعامل مع الأخبار المدسوسة والوثائق المزورة والأفلام المفبركة وأخيراً ظاهرة الوسائل المزورة لذات قوائم الفاسدين أو المغضوب عليهم المفبركة من قوى أكثر فساداً!
وأصبح من الطبيعى أن ترى الآتى على وسائل التواصل:
1 - تغريدة كاذبة منسوبة لشخصية عامة.
2 - صورة ملفقة لمسئول مع امرأة.
3 - صورة فاضحة يوضع فيها (بالتركيب الإلكترونى) رأس فنانة محترمة على جسد امرأة مبتذلة.
4 - حساب بنكى مضروب مكتوب على ورق صحيح لبنك معروف لكن فيه تزوير كامل للأسماء والأرقام.
5 - نسب تصريحات لموتى أصبحوا فى رحاب الله.
6 - نشر مقاطع مدسوسة لكتب صورت لتشويه أصحابها الأفاضل.
7 - عمل تسجيل صوتى لمحادثات هاتفية بأصوات حقيقية لأصحابها، لكنها مأخوذة من تسجيلاتهم الرسمية وخضعت لمونتاج ماهر وذكى يرتب حواراً مفتعلاً مكذوباً.
8 - نشر وثائق منسوبة للسلطات أو الأجهزة الرسمية بها ما يعرف بالقوائم السوداء لتشويه صورتهم مجتمعياً، أو الإضرار بالنظام ذاته.
9 - مشاركة نعرات طائفية أو طبيقة أو مذهبية وفبركة هجوم وتطاول من طرف تجاه طرف آخر بهدف إثارة فتنة وقلاقل فى المجتمع.
10 - تزوير وثائق أحكام قضائية أو جهات تحقيق بهدف الإساءة إلى نزاهة القضاء.
11 - المساس بأعراض سيدات أو فتيات أو شخصيات عامة فى المجتمع بسبب خلافات شخصية أو ثأر خاص بين جهات وأخرى.
12 - تصعيد حملة تشهير ضد شخصية مرشحة لمنصب عام أو طرف فى معركة انتخابات بهدف النيل من سمعتها ومكانتها حتى تفقد أى شعبية تؤهلها للفوز بالترشيح.
كما قلت لكم، المسألة سهلة، يجلس الإنسان فى بيته يشرب كوب شاى بالنعناع مع سيجارتين (من إياهم) ويفبرك بكل من أوتى من شر وأمراض نفسية لخصومه فى الرأى أو أعدائه فى السياسة أو منافسيه فى المهنة أو البيزنس ما يسىء لهم، وتدور الدورة كاملة على وسائل التواصل الاجتماعى وتهرس سمعة خصومه هرساً، بواسطة عشق الرأى العام لتصديق الأكذوبة وإدمانهم المرضى لعمل «شيرنج» لها وترويجها بين أكبر عدد من الأصدقاء بفخر وسعادة وكأنهم أصحاب اكتشاف المعلومة التى هى فى الحقيقة أكذوبة!
كل ذلك مفهوم، رغم قسوته، وعدم أخلاقيته، ولكن غير المفهوم، هو عشق البعض غير المسيس، الذى لا يمسه الأمر من قريب أو بعيد، والذى ليس طرفاً فى أى صراع أو مصلحة، بنشر أخبار مكذوبة تسىء للآخرين؟!
حينما قبضت سلطات الأمن فى بيروت على شاب نشر خبراً مفبركاً شريراً ومضراً للغاية، سألوه: لماذا فعلت ذلك رغم أنك لست حزبياً أو طائفياً أو لك أى علاقة بكافة أطراف الخبر؟
رد الشاب ببساطة: «عشت حياتى لا شىء، لا تأثير لدى فى المجتمع، الآن استطعت قلب الدنيا رأساً على عقب»!
هذا الأمر المخيف والمدمر أدركه رجل الأعمال الحكيم والفذ وارين بافيت حينما قال: «يستلزمك الأمر 20 عاماً على الأقل لبناء سمعة طيبة، بينما يستلزم تدمير هذه السمعة خمس دقائق فقط»!
يا لها من معادلة مخيفة وظالمة، 20 عاماً من العمل يقابلها خمس دقائق من تدميرها!