السيسي من عبدالناصر إلى السادات

السيسي من عبدالناصر إلى السادات

السيسي من عبدالناصر إلى السادات

 عمان اليوم -

السيسي من عبدالناصر إلى السادات

مصطفى الفقي

تحدث الكثيرون عن شخصية رئيس مصر الجديد المشير «عبدالفتاح السيسى» وأسرفوا فى أوصافه إيجابًا وسلبًا، ورآه معظم المحللين مزيجًا من بطولة «عبدالناصر» وزعامة «السادات»، فالذى قام به فى الثالث من يوليو 2013 هو عمل بطولى بالدرجة الأولى ويعكس قدرة ذلك الرجل على اتخاذ القرار الحاسم وخوض المغامرة المحسوبة مع صفاتٍ قيادية وضعته فى مكانه، كما ظهرت ملامح البطولة فى طبيعة «الكاريزما»، التى حظى بها فى وقت قصير نسبيًا، وأصبح يجسد لدى المواطن المصرى ـ وربما العربى أيضًا ـ صورة «القائد» الوطنى الذى يعى هموم شعبه ويتبنى أحلام أجياله الجديدة، ولكن اللافت للنظر هو أن بعض الكارهين لعصر «عبدالناصر» يعبرون عن تخوفهم من أن يحمل الرئيس «السيسى» معه جينات الصدام الدائم مع القوى الخارجية ويتبنى سياسات مركزية فى الداخل قد تعوق الاستثمار وتخيف رجال الأعمال، وقد حاول أصحاب هذا الاتجاه أن يتخذوا من بعض المواقف مبررًا لما يقولون به، بل سعى بعضهم دون وعى إلى تلوين الكلمات وتأويل التصرفات لتأكيد أن «السيسى» طبعة جديدة من «عبدالناصر»! ورأى آخرون على الجانب الآخر أن «السيسى» يحمل ملامح من شخصية «السادات» فهو لا يخلو من دهاء، كما لا يتصرف بانفعال بل يكمن لفترة معينة يخرج بعدها بالقرار الذى يريد، إن حركة «3 يوليو» برصيدها الشعبى تشبه فى عنصر المفاجأة ما قام به «السادات» عام 1971 أو ما قام به «محمد على» عام 1811، ولكن دون إراقة دماء، كما هى حالة «محمد على»، ودون دوافع مرحلية مثلما هو الأمر فى حالة «السادات»، لقد سمعت «السيسى» يقول فى إحدى ندوات حملته الانتخابية إن مسؤولاً أمريكيًا كبيرًا اتصل به ذات يوم، وقال له إن «الولايات المتحدة الأمريكية» تعيد النظر فى حجم المعونة لمصر وتفكر فى تخفيضها فلم ينفعل «السيسى» وتقبل الرسالة الهاتفية بهدوءٍ، وقال لمحدثه الكبير إننا نشكركم على كل ما مضى ونذكركم بأن العلاقات بين بلدينا «استراتيجية»، ولكنى لا أخفى عليك أن قراركم هذا سوف يترك مرارة فى أعماق الشعب المصرى! ولم تمض إلا أيام قليلة إلا واتصل المسؤول الأمريكى مرة أخرى بالمشير «السيسى»، وزير الدفاع حينذاك، ليقول له إننا راجعنا قرارنا ورأينا ألا نمس المعونة الأمريكية لمصر فى ظل ظروفها الراهنة، ولا شك أن رد فعل «السيسى» يمثل مدرسة فى التفكير لا تهوى البطولة على حساب المصلحة العامة، ولكنها تلتزم الحكمة من أجل شعبٍ يتحمل مسؤوليته، ولنا هنا ملاحظات ثلاث:

أولاً: إذا كان «السيسى» من حيث المظهر يبدو «ناصريًا» فإن الجوهر يختلف، لقد كان «عبدالناصر» بطلاً قوميًا، بينما كان «السادات» رجل دولة يدرك المتغيرات الدولية ويقرأ التطورات الإقليمية ويستطيع تغيير «البوصلة»، وفقًا لما يراه من أجل شعبه ـ اتفقنا معه أو اختلفناـ وأنا أرى أن «السيسى» يقترب فى «جوهره» من بعض خصائص «السادات»، حتى وإن كان الإطار العام لشخصيته «ناصريًا»، إذ إن لديه القدرة على اللعب بعنصر الوقت والتقديم والتأخير فى المواقف وتجنب الصدام ما أمكن ذلك، ما لم يكن فى تأجيل المواجهة ما يمس كرامة شعبه، ولعل مواجهته مع «الإخوان» هى تأكيد للنمط «الساداتى»، حتى ولو جاءت فى غلافٍ ناصرى.

ثانيًا: إن التصريح الأخير للسيسى حول دور مصرى لحفظ السلام بين «إسرائيل» و«فلسطين» يعتبر نقلة نوعية فى مواقفه التى تمثل رسالة ذكية للغرب والولايات المتحدة و«إسرائيل» بالطبع وتخفف الضغوط عن «مصر»، بدرجةٍ ما، وتسمح له بحرية الحركة فى الظروف الحالية، وفى تصريحه ذلك محاكاة لبعض أساليب «السادات» من حيث نوعية القرار وفهم طبيعة المرحلة على ضوء الوضع الدولى الراهن.

ثالثًا: إن العرب عمومًا والمصريين خصوصًا يحتاجون إلى رجال دولة أكثر من حاجتهم إلى أبطال تاريخيين «بكاريزما» صارخة، وعلى سبيل المثال فإن مشكلة «سد النهضة» مع «إثيوبيا» تحتاج منّا إلى التعامل بسياسة «رجل الدولة»، الذى يدرك المتغيرات ويستثمر التحولات، ويستطيع أن يعطى وأن يأخذ، كما أن سياسة المواجهة الحادة فى ظل ظروف «مصر» الحالية هى أمر غير منصوح به، فمصر تحتاج إلى تخفيف الضغوط الخارجية لمواجهة الضغوط الداخلية وليس من المستحب أن تواجه الاثنين معًا، إذ إن التقاء الضغوط الداخلية مع الضغوط الخارجية أمر يعوق حركة الشعوب ويعطل انطلاقها للتحليق فى آفاق المستقبل.

.. إن «السيسى» ابن لمصر تلتقى فيه عظمة «عبدالناصر» مع حكمة «السادات» ودهائه.. دعنا نأمل ذلك!.

 

omantoday

GMT 14:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 14:28 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 14:27 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 14:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 14:25 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 14:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 14:22 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 14:21 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السيسي من عبدالناصر إلى السادات السيسي من عبدالناصر إلى السادات



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab