إنهم يتساقطون

إنهم يتساقطون!

إنهم يتساقطون!

 عمان اليوم -

إنهم يتساقطون

بقلم : مصطفى الفقي

رحل «جمال الغيطانى» فى مثل هذه الأيام بعد حصوله على «جائزة النيل العليا» فى الآداب، بتصويت أعضاء «المجلس الأعلى للثقافة»، فى شهر يونيو 2015، وها هو «فاروق شوشة» يودعنا هذا الأسبوع بعد حصوله على ذات الجائزة بتصويت «المجلس الأعلى للثقافة»، فى يونيو 2016، وكأنما هو قدرنا أن يرحل الروائى الكبير «جمال» ليلحقه فى نفس التوقيت، وبعد الحصول على ذات الجائزة، الأديب «فاروق» صاحب «لغتنا الجميلة» و«رفيق الأذن العربية» لعدة عقود.

وأُشهد الله أنه كان إنساناً دمث الخلق رقيق الحاشية، له إسهامات كبيرة فى «مجمع اللغة العربية» الذى كان أمينه العام، وفى «المجلس الأعلى للثقافة»، الذى كان واحداً من نجومه الساطعة، فضلاً عن أياديه البيضاء على «المذياع والتلفاز» المصريين، وهو شاعر متميز ولا عجب فهو ابن «قرية الشعراء» فى «محافظة دمياط»، وقد عرفته منذ سنوات بعيدة، وقد كان أخوه الأصغر الراحل د.«فخرى شوشة» صديقاً لى منذ ستينيات القرن الماضى، كما أن الشاعر الكبير قد اقترن بزميلة دراستنا السيدة الفاضلة والإعلامية المتميزة أيضاً «هالة عبدالحميد الحديدى»، ابنه الإعلامى الكبير.

وقد جمعتنى بـ«فاروق شوشة» لقاءات ومناسبات وذكريات لا تنسى، ومنذ علمت برحيله وأنا أضع «أسطوانة مدمجة» أستمع فيها لعميد الأدب العربى د.«طه حسين»، كان قد أهداها لى الأستاذ الدكتور «كمال الجنزورى»، رئيس وزراء «مصر» الأسبق، وفيها يتحدث د.«طه حسين» عن الخليفة الراشد «عمر بن الخطاب» حديثاً ذا شجون فيه بلاغة وجزالة وعمق وعاطفة لا يكاد المرء أن يمل الاستماع إليه طوال الوقت، وتبدو قيمة تلك «الأسطوانة المدمجة» التى تحتوى ذلك الحديث الرائع أنها من تراث جمعه الراحل الكبير الشاعر العظيم «فاروق شوشة»، حيث كان يذيعها فى برنامجه الشهير «لغتنا الجميلة»، وفيها يقدم «طه حسين» بصوته المتميز ولغته الباهرة واحداً من (أحاديث الأربعاء)، كان موضوعه «الفاروق عمر»، وهو يقول فيه قولاً جديداً عن «ابن الخطاب»، ويقرر فى نهايته أنه لا يملك إلا أن يجهش بالبكاء لعدالة «عمر» ونزاهته وإنصافه لكل صاحب حق ووقوفه إلى جانب كل مظلوم، ثم يأتى صوت الشاعر بلغته الراقية وهدوئه المعتاد فيأتينا تعليق «فاروق شوشة» وكأنه لحن موسيقى لحلقة دسمة من الفكر الإسلامى، بل الإنسانى، بكل معانيه.

لقد عرفت «فاروق شوشة» عبر عقود طويلة، حيث كان أدبه الجم وخلقه الرفيع علامة مميزة و«ماركة مسجلة» لكل من عرف الراحل الكبير، ولقد أكرمنى فى العام الماضى بملء استمارة ترشيحى لعضوية «مجمع اللغة العربية»، ومهرها بتوقيعه الكريم تزكية منه، ولم يخطرنى إلا بعدما فعل ذلك، ولكن أعضاء «المجمع» خذلونا كالمعتاد كما خذلوا غيرنا عبر السنين، فلهم اختياراتهم الخاصة، رغم أن رئيس المجمع، فضيلة الدكتور «حسن الشافعى»، كان ميالاً لاختيارى، حيث تكرم ووعدنى قبلها ولكن الأمر ليس كله فى يده.

أعود إلى «فاروق شوشة»- الذى كان وطنياً حتى النخاع، قومى الدم واللحم، مسلم الروح والفكر- لكى أقرر أن الرجل رحل كما تختفى الشهب والنيازك وتغيب النجوم من السماء بين حين وآخر، ولعلى أسجل هنا ملاحظات ثلاث:

الأولى: أنه من حسن الحظ أن «فاروق شوشة» قد رحل عن عالمنا بعد أن حصد أرفع الجوائز وحظى بأفضل التكريمات، وكأنما كانت الدنيا تودعه بما يستحق من احترام وتقدير، كما أنه ظل حتى آخر لحظة فى حياته نقطة مضيئة فى حياتنا ومصدر إشعاع لا يخبو فى ثقافتنا، لقد رحل فى عزة وكبرياء، لم أره مرة راكعاً لغير الله أو منحنياً لصاحب جاه أو سلطان.

الثانية: لقد ترك «فاروق شوشة» إرثاً كبيراً فى الشعر والأدب العربيين، يدخلان به إلى التراث الباقى للثقافة العربية من أوسع أبوابه، سواء ما قال أو ما كتب، كما أن تواصله مع منتديات الشعر والأدب فى الوطن العربى قد جعل منه قاسماً مشتركاً فى كثير من المناسبات المهمة واللقاءات الرصينة.

الثالثة: لقد صدح «عبدالحليم حافظ» قبيل رحيله مغنياً: إنهم يتساءلون من تكون؟ وأنا أقول الآن إنهم يتساقطون فكيف نكون؟! لقد رحلت فى الأعوام الأخيرة شخصيات رفيعة وأسماء لامعة ذات إسهامات ضخمة فى حياتنا الفكرية، وكأنما هو عصر يلملم أوراقه التى تتساقط مع مطلع الخريف ورياحه الباردة تودع الحياة قبل أن تنال منها المتاعب والمصاعب فى عصر غابت منه الراحة وعزت فيه السعادة!.

رحم الله فاروق شوشة، فقد كان شاعراً وأديباً، لغوياً أريباً، صديقاً مخلصاً، إنساناً صادقاً.. لقد فقدت اللغة العربية واحداً من أكبر فرسانها وأشعر كتابها، والذى زفته بلدته «الشعراء» فى عرس الوداع إلى حيث لا يعود الناس!.

omantoday

GMT 10:31 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

مجمع اللغة العربية.. الأزمة والحل

GMT 10:30 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

اعترافات ومراجعات (62) الاكتئاب سلعة إسرائيلية

GMT 08:47 2024 الأربعاء ,22 أيار / مايو

الفلسطينيون بين التطبيع والتهجير

GMT 10:21 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

هموم عربية

GMT 09:58 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

اعترافات ومراجعات (55).. يوم رحيل الزعيم

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إنهم يتساقطون إنهم يتساقطون



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 20:41 2020 السبت ,05 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 17:31 2020 الجمعة ,28 شباط / فبراير

يولد بعض الجدل مع أحد الزملاء أو أحد المقربين

GMT 14:50 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

حافظ على رباطة جأشك حتى لو تعرضت للاستفزاز

GMT 06:18 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أحدث سعيدة خلال هذا الشهر

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab