اعترافات ومراجعات 51 الهند متحف الزمان والمكان

اعترافات ومراجعات (51) الهند متحف الزمان والمكان

اعترافات ومراجعات (51) الهند متحف الزمان والمكان

 عمان اليوم -

اعترافات ومراجعات 51 الهند متحف الزمان والمكان

بقلم:مصطفى الفقي

تأثرت كثيرًا بالسنوات الأربع التى قضيتها فى الهند دبلوماسيًا بالسفارة المصرية فى الفترة من عام 1979 حتى عام 1983 وتعلمت الكثير، فالأمة الهندية ذات تقاليد موروثة وأفكار راسخة مع تعددية تلقائية فى الطبقات تكاد تصل بين أسر المهراجات والطبقات الفقيرة والتى كانت تسمى منبوذة على الجانب الآخر (الهاريجان) فهناك شعور بالتعايش المشترك بين الأغنياء والفقراء إذ لا يوجد فى الهند صراع طبقى بالمعنى المألوف فى المجتمعات الحديثة، وهناك اقتناع شديد بأن الحياة الثانية سوف تكون تعويضًا عن أى نقص فى الحياة الأولى فنظرية تناسخ الأرواح هى التى ضربت الفكر الماركسى فى الهند وجعلته قاصرًا على ولاية وحيدة هى (كيرالا) التى عرفت وجودًا شيوعيًا لفترة قصيرة بينما السواد الأعظم من بلاد الهند يقبلون الواقع ويؤمنون بأن الحياة والموت هى عملية انتقال تبادلى بين الأرواح عندما تبلى الأجساد، ومازلت أذكر البهادور النيبالى الذى طلبت منه قتل (البرص) الذى يتحرك على الحائط أمامنا والذى جعل ابنتىّ الصغيرتين مذعورتين فإذا به يرفض ذلك

ويقول لى فى إنجليزية ركيكة إن أباه قد مات منذ أسبوعين وإن عمر هذا البرص لا يزيد عن ذلك، وبالتالى فإن هناك احتمالًا أن تكون روح الأب الراحل قد تقمصت ذلك البرص الصغير وفقًا لفلسفة تبادل الأرواح، ولقد رأيت فى الهند عجبًا، الغنى الفاحش والفقر المدقع، وحضرت موائد لم أر لها نظيرًا من حيث الإسراف فى الفخامة والمبالغة فى الضخامة، ولقد آمنت وقتها بما قاله المفكر العربى الراحل (البيرونى) عن بلاد الهند باعتبارها بلد العجائب التى تجمع بين الفضائل والرذائل فى وقت واحد فهى بحق متحف الزمان والمكان الذى لا يجادل فيه إنسان، فهناك يشيع الإيمان بالقدر والاستسلام لمعطيات الوجود إيمانًا بعدالة الآلهة التى سوف تعطى كل ذى حق حقه فى الوقت المناسب بحيث أن باعة السجاد والفضيات بل والمجوهرات يجوبون منازل الأجانب خصوصًا أسر السلك الدبلوماسى يروجون لبضاعاتهم، وأتذكر السيد جين عندما رآنى أدوس على حشرة صغيرة (حرامى الحلة) ونحن نجلس فى حديقة منزلى وقد فرش بضاعته أمامنا من الفضيات الرائعة فإذا به يجمع كل ما قام بفرده مرة واحدة وعلى وجهه علامات الغضب فقلت له: ماذا جرى؟! قال لى: إنك قاتل.. لماذا قتلت هذه الحشرة البريئة؟ فقلت له: إنها حشرة ضارة لا تخلو مسيرتها من لدغات مؤلمة، فقال لى: إنها لا تفعل ذلك إلا إذا بدأ الإنسان التحرش بها والسعى لإيذائها، فاعتذرت له واستبقيته واسترضيته فقال لى إنه يذهب كل أسبوع يقضى ليلة مع الثعابين بالقلعة الحمراء فى نيودلهى وتظل طوال الليل تلعب معه وتحيط بخصره دون أذى له رغم أنها من النوع السام ولكنها لا تؤذى إلا من يؤذيها، وشاهدت بعينى رأسى الفأر يمشى على يد الخادمة الهندية ولا يجرى منها ولا يهرب، فالتعايش المشترك بين المخلوقات هو سمة هندية تنفرد بها عن باقى أمم الأرض، ولقد عشت مع مثقفى الهند وقمت بالتدريس فى جامعة جواهر لال نهرو ورأيت مستوى التعليم لذلك البلد الكبير وكيف أن أستاذًا هنديًا زائرًا يأتى إلى بلاده فى شهور العطلة ويرتدى الزى الشعبى ويقدم خدمات جليلة لوطنه فى مجال البحث العلمى والفكر العميق إيمانًا بما يجب أن يقدمه لوطنه، فالكل فى خدمة الأمة الهندية العظيمة بما لها وما عليها، ولقد كانت الهند مؤيدة بشكل شبه مطلق للشعب الفلسطينى فى مواجهة الاحتلال الإسرائيلى وعندما عدت إلى العاصمة الهندية فى زيارة برلمانية برفقة الراحل الدكتور أحمد فتحى سرور رئيس مجلس الشعب عام 2003 وجدت الدنيا قد تغيرت وأن الأفكار قد تحولت وأن العلاقات مع إسرائيل قد أصبحت طبيعية بل وتوطدت فى مجالى التعاون العسكرى والتطوير الصناعى، فالهند دولة نووية كما أنها دولة فضاء وهى إحدى الدول الصناعية العشر الكبرى فى العالم، فضلًا عن أنها دولة اكتفاء ذاتى فى الحبوب الغذائية وكان بينها وبين مصر مشروع مشترك لإنتاج طائرة بحيث يقوم الجانب الهندى بتصنيع جسم الطائرة الجديدة ويقوم الجانب المصرى باستكمال أعمال الموتور والجانب الفنى الأكثر تعقيدًا، ولننظر الآن أين هم وأين نحن والسبب ببساطة أنهم استكملوا المسيرة ومضوا على الطريق إلى النهاية، ويشكل المسلمون نسبة قد تصل إلى 10% فيها ولقد علمت بحزن شديد فى السنوات الأخيرة باشتعال الفتن الطائفية وشعور المسلمين بالاضطهاد على نحو غير مسبوق فى ظل حكم حزب سياسى له شعبية كبيرة ومنطلقات هندوسية قبل أن تكون هندية خالصة.. حمى الله الهند وشعبها وسأظل محتفظًا بذكرياتى عنها وما تعلمته فيها

omantoday

GMT 13:53 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

«آخر الكلام»

GMT 13:52 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

مش معقول.. ستة دنانير فطور صحن الحمص!

GMT 13:51 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

إنَّما المَرءُ حديثٌ بعدَه

GMT 13:50 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

وقف النار في الجنوب اللبناني وما بعد!

GMT 13:49 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

سفينة العراق والبحث عن جبل الجودي

GMT 13:48 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

متغيرات في قراءة المشهد السوداني

GMT 13:47 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

حتى يكون ممكناً استعادة الدولة

GMT 13:46 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا: المفاجأة الكبرى أمام ترمب

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اعترافات ومراجعات 51 الهند متحف الزمان والمكان اعترافات ومراجعات 51 الهند متحف الزمان والمكان



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 10:16 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab