هموم عربية

هموم عربية

هموم عربية

 عمان اليوم -

هموم عربية

بقلم - مصطفي الفقي

 

فى أوقات المحن الكبرى والأزمات الضاغطة لا بد أن يتجه تفكير الإنسان العربى إلى مصادر همومه مدركًا أن هناك فجوة حضارية - ليست بالمعنى الإيجابى - ولكنها بالقراءة الثقافية البحتة، فلو تأملنا صورة اجتماع مجلس الحرب الاسرائيلى وقرأنا لغة الوجوه لأدركنا أن الشر يكمن فى كل نظرة، وأن الكراهية تنبض مع كل فقرة، ونحن العرب لا ندرك الدلالات الحقيقية للفوارق الثقافية التى تنعكس على أنماط السلوك وطرائق التفكير وأساليب التعامل مع المشكلات، فالغربى بحكم احتكاكه الأكثر بالتقدم الصناعى وحضارة عصر النهضة ثم الثورة الإلكترونية يكاد يكون أكثر استعدادًا بالضرورة للتعامل مع ما يحيط به والدخول فى إطار المشكلات دون عواطف جياشة أو مشاعر متأججة بعكس الشرقى العربى الإفريقى المسلم أو المسيحى الذى يتعامل مع الأمور كما يراها وليس كما يتخيلها، فالخيال يعطى بعدًا طويلًا للقرارات ويسمح لأصحاب الإرادة بممارسة قوة الخيال التى تسمح باستشراف المستقبل وقراءة الواقع بطريقة سليمة، ولكى لا يكون الحديث غامضًا فإننا نبسط الحقائق الآتية:

أولًا: إن شحنات من الكراهية المترسبة بين ما هو شرقى وما هو غربى أو بين الجنوب والشمال مع ركام ضخم من التجارب السلبية التى تراكمت منذ العصور الوسطى تصنع جبلًا من المخاوف بين الجانبين، ويكفى أن نتأمل ابن غزة المناضل - ولكن المغلوب على أمره فى نفس الوقت - وهو يواجه الرصاص ويتصدى عاريًا جائعًا للحصار والانكسار وتشهد الأم مصرع رضيعها ويرى الأب دمار بيته والقضاء على أسرته، والغريب أن ذلك كله يأتى ممن يتشدقون بحقوق الإنسان وحضارة المواطن الأبيض وتتجلى الأفكار الطيبة لدى العربى المغلوب على أمره فى مواجهة ذلك الشرير الذى يسعى لإفنائه والقضاء عليه.

ثانيًا: إن الفجوة التكنولوجية قد مارست تأثيرها السلبى على الجانب العربى، فليس مهمًا أن يحوز ذلك العربى أرقى الشهادات الجامعية وأعلى المستويات العلمية إذ تبقى الطبيعة الثقافية متمركزة فى وجدانه لا تبرح عقله ولا تنصرف عن مفاهيمه، فهناك شىء ما يقبع بداخلنا قد نسميه نوعًا من التواكل والاعتماد على ميراث الأجيال التى تجعل التدين ملاذًا آمنًا لكل المأزومين وكأنما قسم الله الحياة، فالدنيا لهم والآخرة قد تكون لنا!.

ثالثًا: إن الله لا يغير ما بقوم ما لم يغيروا ما بأنفسهم لذلك فإن الداء يبدأ منا وينعكس علينا وتبدو الصورة فى النهاية كما لو كانت معزوفة غاضبة بلا رؤية واضحة أو تصور بعيد المدى.

رابعًا: ليس فى هذه الكلمات ما يدعو إلى اليأس أو يعزز الشعور بالإحباط ولكنها صفعات عقلانية يراد بها أن ندرك جميعًا أن أسلوب حياتنا يجب أن يتغير وطرائق تفكيرنا يجب أن تتنوع، إنها كالصفعات الرقيقة على وجنتى من خرج من الجراحة الطويلة ويراد إفاقته من تأثير المخدر، والمخدر هنا هو سنوات طويلة من الخرافات والبعد عن الواقع ومخاصمة الحقائق والتركيز على الأوهام والأحلام والعيش فى الماضى دون الحقائق المدعومة بالإحصائيات والأرقام.

خامسًا: إن بسالة المقاتل العربى وتضحيات الشهيد الفلسطينى تفوق مئات المرات نظيره على الجانب الآخر، ولكنه لا يحسن استغلال الوقت أو انتهاز الفرص ويظل دائمًا أسيرًا لفكر طوبائى يختلط فيه الدين بالسياسة كما تتداخل النظرة العاجلة بالفكرة الآجلة فتكون النتيجة صدامًا بين العاطفة والعقل وغشاوة تحجب الرؤية فى ظل ضباب كثيف من الأفكار القديمة والآراء المتعارضة.

سادسًا: إن المشاعر الدينية المتجذرة فى ذاكرة الشرقى أو العربى تختلف عن تناول الطقوس الدينية لدى الغربى، فالدين ليس متجذرًا فى أعماق الغربيين عمومًا ورغم أن الديانات السماوية جاءتهم من الشرق الأوسط إلا أنهم لم يعطوه القدر الكافى من التوقير والاحترام لمصادر شرائعهم ومنطلقات دياناتهم، ولقد شاهدت مؤخرًا فيلمًا تسجيليًا عن صلاة عيد الفصح بكنيسة القيامة فى فلسطين حيث لاحظت أن العقل العربى بدا لى معتدلًا متوازنًا وهو ذات الأمر الذى شاهدته فى ممارسات دينية إسلامية لفئات عمرية شابة بدأت تثور على الوازع التقليدى للأديان وتتجه إلى نزعة واقعية تحترم كتب السماء مباشرة بلا مزايدة وتحافظ على تعاليم الدين بلا مبالغة.

هذا طواف عابر برؤية ألحت على خاطرى رأيت أن أسجلها على الورق فى مشاغبة رقيقة مع القارئ خصوصًا وأن الذى يلح علينا جميعًا هو هاجس واحد يتلخص فى الإجابة على سؤال محدد نكرره دائمًا وهو: لماذا تقدموا هم وتخلفنا نحن؟!

omantoday

GMT 19:41 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

مجالس المستقبل (1)

GMT 19:20 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

البحث عن مقبرة المهندس إيمحوتب

GMT 15:41 2024 الأحد ,14 تموز / يوليو

موسم انتخابى كثيف!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هموم عربية هموم عربية



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 19:13 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 عمان اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 18:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025
 عمان اليوم - مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 09:01 2020 الجمعة ,30 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 أكتوبر / تشرين الأول لبرج الاسد

GMT 21:16 2020 الثلاثاء ,30 حزيران / يونيو

لا تتهوّر في اتخاذ قرار أو توقيع عقد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab