بغداد – نجلاء الطائي
قدمت وزارة "الثقافة" العراقية ملفًا خاصًا بأعياد وطقوس خضر الياس، الذي يعدّ أحد العناصر المدرجة في القائمة الوطنية للتراث الثقافي غير المادي لجمهورية العراق لعام 2014، والذي تمت إحالته إلى منظمة "اليونسكو" خلال شهر شباط/فبراير الماضي، بغرض مناقشته من خبراء "اليونسكو" وتسجيله على قائمة التراث الثقافي لعام 2016.
ويقبع مقام خضر الياس على ضفاف نهر دجلة في جانب الكرخ، ويتكون من مبنى قديم وبسيط يتخلله سلم تمتد نهايته إلى ضفة نهر دجلة، وتحيطه باحة مرصوفة حديثا شيدت عليها مقاهي لاستراحة الزوار وتناول بعض الوجبات السريعة والمشروبات.
وذكرت المسؤولة عن إدارة المقام العلوية أم محمد "نحن ورثنا خدمة المقام المقدس، ولم يكن هذا المقام كما هو عليه الآن، ففي خمسينات وستينات القرن الماضي كان عبارة عن مكان صغير تعلوه ما يسمى باللهجة البغدادية "رازونة"، تنتهي بسلم حجري تمتد نهايته في نهر دجلة، وفي المساحة المحيطة بالمقام توجد ماء عين زلال ربانية يتبارك بمائها الزوار من أجل الدعاء وطلب الرزق أو الشفاء من الأمراض".
وأضاف أم محمد "سميت المنطقة باسم خضر الياس وهي المنطقة الممتدة من الشواكة إلى الكاظمية وتمر به المناطق الشعبية الواقعة على ضفة نهر دجلة (الشواكة، السوق الجديد، سوق حمادة، الجعيفر)، وكلّها عبارة عن شوارع ضيقة محاذية بعضها للبعض الآخر".
وتابعت " قامت والدتي العلوية أم ثامر (فضيلة زيدان خلف) بتعمير وترميم المقام وذلك للحاجة الماسة لذلك، خصوصًا أنّ المقام دائماً ما يتعرض للغرق أثناء ارتفاع مناسيب مياه النهر في بعض أوقات العام، وبعد تسلمي إدارة المقام بعد أحداث 2003 عملت على ترميمه وتوسيعه بإضافة مبنى جديد آخر".
وأشارت أم محمد إلى اعتمادها بإعادة الأعمار والترميم "على التبرعات المادية للزوار، وما يقدمونه من أيفاء لنذورهم، إضافة إلى تبرعات بعض المسؤولين في وزارة "الدفاع" والمجلس البلدي، بإرسال عمال بناء لرصف الباحة الخارجية المحيطة بالمقام، وتبرعات بعض التجار العاملين في سوق الشورجة الذين يتبرعون بمصابيح الإنارة والأجهزة الكهربائية من مبردات ومراوح وغيرها".
ولفتت إلى أن "الزيارة تكون في أوجها خلال أيام الأسبوع الأخيرة وخصوصًا الجمعة، حيث يأتي الزوار من مناطق بغداد المختلفة والمحافظات، ومن كلّ مكونات العراق وأطيافه، فهناك المسيح واليهود والصابئة والايزيديين، إضافة إلى المسلمين".
وأردفت "هناك طقوس خاصة بطلب النذور تقع عليه الأنظار أول الدخول إلى المقام، وهي عبارة عن أنية (طاسة) فيها حناء وسلة تحتوي على عدد من الشموع الملتف حول كلّ شمعة قطعة قماش شريطية من الساتان الأخضر وتسمى (العلك)، وهذه الأشياء تحمل رمزية خاصة لدى الزوار".
وبيّن أن هناك معتقدًا شعبيًا يقول إن من زار الخضر (عليه السلام) سيزوره أيضًا ويبارك له الزيارة والدعاء، لأن الخضر حي ويحضر في أي وقت وفي أي مكان، والزيارة الكبيرة لمقام الخضر (عليه السلام) هي الأيام العشرة الأخيرة من شهر صفر، حيث يتوافد الزوار من كلّ مكان ويوقدون الشموع ويسيحوها على ألواح خشبية في مياه دجلة الخير، وهم يرددون عبارة مأثورة (شعلنه الشموع، ودعنا الدموع)، وتسمى هذه الزيارة بـ"الكسلة"، وفي الوقت ذاته تكون نفس الزيارة في مقام (مرد الشمس) في مدينة الحلة ولها أيضا طقوس خاصة، حيث يملئن الجرة (التنكة) بالماء والنقود ويكسروها وهم يرددون عبارة(كسر الكزاز، يحفظ الإعزاز) وتسمى هذه الأيام من شهر صفر بالظلمة الضاربة والتي تبدأ من يوم (27 ولغاية 30)، وفيها تكثر الصلاة وإيقاد الشموع وهم يودعون أحزانهم وهمومهم ويرموها في الماء الذي يثلج قلوبهم".
ويذكر أنّ الخضر أو خضر الياس كلمتان مختلفتان نحويًا ولكنهما متفقتان في المعنى، فالخضر تعني النبي أو القديس أو الولي، وقد أدرجت هذه الكلمة لكلّ الأشخاص الذين على يدهم تصنع المعجزات والخوارق, واختلفت الآراء في تحديد هوية الخضر, فمنهم من قال إنه "الرجل الذي رافق موسى في تجواله"، وقال بعضهم عن الخضر إنه نبي بعثه الله وهو محجوب عن أبصار أكثر الناس، لكن ما يثير الاهتمام هو وجود الآيات من 65- 82 من سورة الكهف، التي تتحدث عن العبد الصالح الذي لقي نبي الله موسى، منقوشة على جدار المقام .