بغداد - نجلاء الطائي
أحتفى بيت الحكمة باختيار مدينة بغداد ضمن شبكة المدن الإبداعية العالمية، الخميس وقال وكيل وزارة الثقافة والسياحة والآثار طاهر الحمود خلال كلمة له جميل إن هذه الاحتفالية تقام تحت شعار" صناعة الثقافة سلم العبور الى المستقبل" وصناعة الثقافة تليق ببغداد كما هو على مر الدهور لكن اي ثقافة تليق بهذه مدينة الرمز مدينة الكون رغم كل محاولات الاقصاء والقسر والترهيب وحمل الناس على فكر واحد وعلى عقيدة واحدة ابت هذه التربة المحروسة الا انها تنبت كل الوان الفكر والاداب والفنون".
واضاف ان"التنوع الذي نفخر به اليوم رغم استهداف قوى الارهاب والظلام هذه الركيزة الاساسية في نظامنا السياسي والاجتماعي ، مبينا لاشك ان الابداع الادبي واحد من صور الابداع لهذه المدينة الخالدة لكنه بالتاكيد ليس كل الابداع انه واحد من تجليات الابداع الذي اسفرت به بغداد على الدنيا "، وأن هناك قضية مهمة تهم هذا الصرح الفكري والعلمي الرصين بيت الحكمة تهم مؤسسات الاكاديمية وجامعاتنا والثقافة والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية ".
واشار إلى أن 70 إلى 75 من المخطوطات المجازة تتعلق بالشعر والاداب عامة وان 20 الى 25 اقل من هذه النسبة تغطي الانشطة الثقافية والاجتماعية الاخرى وهذا مؤشر على الدراسات الفكرية المعمقة التي تهتم بها عواصم ومدن عربية وكلنا معنيون بمواجهة هذا التحدي وهذا الأمر دفع دار الشؤون الثقافية لتتحرى لتعويض هذا النقص ونحن كلنا مسؤولون عن مواجهة هذا التحدي" .
يذكر ان بيت الحكمة كان عبارة عن مؤسسة علمية في بغداد، وهو إحدى المؤسسات التي حازت على لقب "أول جامعة في التاريخ"، ولقد أنشئ بيت الحكمة في العصر العباسي، وازدهر في عهد الخليفة العباسي المأمون وأحدث وقتها نقلة نوعية في الترجمة تمهيدا للعصر الذهبي للحضارة العربية الإسلامية في بداية القرن التاسع الميلادي سنة 840 ميلادية تقريبا.
وكان بيت الحكمة يضم بيوت للطلاب والمعلمين وساحة جامعية بالإضافة إلى مطعم لتزويد رواده بالغذاء، ويتكون البيت من طابقين، الطابق السفلي يضم قاعات خاصة بخزائن الكتب واقسام الترجمة والنسخ والتأليف والتجليد والمطالعة والدراسة في كل مجال من مجالات المعرفة والعلوم والآداب، أما قاعات الطابق العلوي فكانت خاصة باقامة المؤلفين والمترجمين والدارسين والعاملين وغيرهم، وأغلبية العلماء الذين عملوا وترجموا في بيت الحكمة كانوا من المسيحيين الشرقيين والفرس. وكانوا جزءًا هامًا من هذه المؤسسة البحثية والتعليمية، وهذا يدل على الإنفتاح على معظم الحضارات في وقتها.
لقد عرف عن أبي جعفر المنصور عنايته بنشر العلوم المختلفة، ورعايته للعلماء من المسلمين وغيرهم، وقيامه بإنشاء "بيت الحكمة" في قصر الخلافة ببغداد، وإشرافه عليه بنفسه، ليكون مركزا للترجمة إلى اللغة العربية، وقد أرسل أبو جعفر المنصور إلى إمبراطور الروم يطلب منه بعض كتب اليونان فبعث إليه بكتب في الطب والهندسة والحساب والفلك، فقام نفر من المترجمين بنقلها إلى اللغة العربية.
وفي عهد هارون الرشيد أتت إليها دفعة كبيرة من الكتب بعد فتح هرقلة وأقليم بيزنطة، وقد أوكل إلى يوحنا بن ماسويه مهمة ترجمة الكتب، فلم تعد تقتصر على حفظ الكتب بل وضم بيت الحكمة إلى جانب المترجمين النسّاخين والخازنين الذين يتولون تخزين الكتب، والمجلدين وغيرهم من العاملين، وقد بلغ نشاط بيت الحكمة ذروته في عهد الخليفة المأمون الذي أولاه عناية فائقة، ووهبهُ كثيراً من مالهِ ووقته، وكان يشرف على بيت الحكمة، ويـختار من بين العلماء المتمكنين من اللغات. وقد أستقدم المأمون من قبرص خزانة كتب الروم.
وما أن تزايد النفوذ التركي حتى أخذ الخلفاء الضعفاء يضيقون على رجال الفكر وأكثرهم من الفرس والعرب، فتفرقوا في أنحاء الامبراطورية شرقاً وغربا، وتعددت المراكز التي تجمع فيها رجال الفكر، وأصبحت للفكر منارة مشعة في خراسان وبلاد ما وراء النهر وشمالي فارس شرقاً، وفي حلب ودمشق والقاهرة وفاس وقرطبة وطليطلة غربًا.
وبذلك كان بيت الحكمة خزانة كتب، ومركز ترجمة، والتأليف ومركز للأبحاث ورصد النجوم، ومن أهم ما ميز بيت الحكمة هو تعدد وتنوع المصادر وهي الكتب القديمة والتراجم والكتب التي ألفت للخلفاء والكتب التي نسخت مما جعلها مجمعاً علمياً، وظل بيت الحكمة قائماً حتى أجتاح المغول مدينة بغداد سنة (656هـ/1258م)، حيث تم تدمير معظم محتوياته في ذلك الوقت والتي كانت تبلغ ما يزيد عن 300,000 كتاب.