القاهرة ـ العرب اليوم
عقدت مؤسّسة الفكر العربيّ بالتعاون مع جامعة الدول العربية أربع ورش عمل ضمن ست ورش عمل مقرّرة في مقرّ الجامعة في القاهرة، تناولت موضوع التكامل الاقتصادي العربي والثقافات العربية ودور جامعة الدول العربية وومشروع الدولة الوطنية، بمشاركة خبراء عرب بارزين، في إطار الإعداد لمؤتمرها السنوي "فكر 14" المقرّر عقده في القاهرة في الفترة الممتدّة ما بين 6 و8 كانون الأول/ديسمبر 2015، تحت عنوان " التكامل العربي ،، تجارب وتحديات وآفاق".
وأعدّ بعض المشاركين في الورشة الأولى مجموعة أوراق بحثية ناقشت قضايا تطوير وتكامل الصناعات التحويلية العربية وتكاملها كرافعة للتنمية الاقتصادية، وتحقيق السوق العربية المشتركة، وانتقال عناصر الإنتاج والتكامل الاقتصادي العربي، وواقع الفساد كأحد مسبّبات التدهور الاقتصادي والاحتقان الاجتماعي والآليات الممكنة لمكافحته في الدول العربية.
وخلص المشاركون إلى ضرورة الحفاظ على وحدة التراب الوطني للدول العربية القائمة، والعمل على تطوير وتفعيل النظام الإقليمي العربي وتفعيله كإطار ناظم للعلاقات التكاملية وللاتفاقيات العربية، وإعطاء أولوية قصوى لتطوير الصناعات التحويلية في إطار تكاملي عربي، لبناء الأساس الموضوعي للتكامل الاقتصادي القائم على تبادل المصالح وتعزيزه.
وأوصوا بتعزيز الاستثمار العربي المشترك بين الدول المؤهّلة له في صناعات الآلات والمعدّات ووسائل النقل والصناعات عالية التقنية، للاستفادة من اقتصاديات الحجم الكبير في حفز التصنيع والتكامل الصناعي العربي، إضافة إلى تعزيز الاندماج في الاقتصاد العالمي ومنظّماته ومن ضمنها منظّمة التجارة العالمية على أسس عادلة ومتكافئة، وتطوير ثقافة المسؤولين العرب في التعامل مع المؤسّسات المالية والاقتصادية الدولية بكفاءة ومرونة.
وشملت التوصيات الاعتماد في تحقيق السوق العربية المشتركة على التكافؤ بين الدول الداخلة فيها، وعلى تطوير هياكل الإنتاج العربية الصناعية والزراعية والخدمية بصورة فردية في كل دولة، بالإضافة إلى السعي الدؤوب لتأمين حرية انتقال الأشخاص ورؤوس الأموال وحرية تبادل البضائع والمنتجات الوطنية والأجنبية
وشهدت الورشة الثانية مناقشات مستفيضة حول القضايا الرئيسة المرتبطة بواقع الثقافة العربية في ظلّ الظروف الراهنة التي تمرّ بها دول المنطقة، حيث برزت تحديّات كبرى بعد الانتكاسات التي لحقت بالتحرّكات الجماهيرية التي شهدتها بعض الأقطار، ودخول عددٍ من الدول في أطوار من التفكّك والتداعي وعدم الاستقرار، في حين عانت دول ومجتمعات أخرى بدرجات مختلفة من عدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي والاقتصادي ومصادر تهديد متعددة على رأسها التطرف وتزايد حدّة الاستقطاب والفساد وتعطّل مؤسّسات الحكم، ممّا أحدث اضطراباً بين المكوّنات الرئيسيّة.
وطرحت بيئات الاضطراب هذه على الواقع الثقافيّ الوطنيّ والعربيّ تحديّات جمّة وغير مسبوقة منذ ولادة الدولة الوطنية العربية، ونشوء جامعة الدول العربيّة والفكرة العربيّة الجامعة، ومن أبرز التحديّات ظهور مشاريع سياسيّة ودينيّة ومذهبيّة وقوميّة ذات جذور ثقافيّة تسعى إلى تغيير واقع الجغرافيا للدولة الوطنيّة العربيّة، وصعود الجماعات الأصوليّة الراديكاليّة التي تمارس التطرف، وتمدّدها داخل بعض البلدان العربيّة
وانتهت الورشة إلى صياغة عدد من التوصيات الأوليّة، شملت تفعيل دور جامعة الدول العربيّة والمنظّمة العربيّة للعلوم والثقافة "الألكسو، في دعم وتوسيع مشاريع الشراكة الثقافية وتوفير التمويل والموارد والخبرات، واتّخاذ الإجراءات اللازمة لتنسيق العمل بين المؤسّسات الحكوميّة والأهليّة المعنيّة بالعمل الثقافي في الدول العربيّة على مختلف المستويات.
وتضمنت تطوير العلاقات الثقافية بين دول المنطقة وبين أقاليمها الجيوسياسية والجيوثقافية المتقاربة إيلاء الثقافة والتعليم والفنون ما تستحقه من عناية واهتمام، بإحداث نقلة نوعية في العقل والفكر العربييّن داخل وعبر المجتمعات.
واستعرضت ورشة العمل الثالثة الأوراق المُقدّمة من قبل الباحثين، والتي تناولت الأبعاد والجوانب المختلفة لإصلاح جامعة الدول العربية، والمحاولات التاريخية والمعاصرة لتطوير أنظمتها وآليات عملها وشروط ومقتضيات وآفاق إصلاحها، بما يخدم القضايا العربية وفي مقدّمها قضيّة فلسطين، ويلبّي حاجات الدول العربيّة وشعوبها في الظرف التاريخي الدقيق الذي تمرّ به الأمة.
ورأى المشاركون أن النزاهة الفكرية تقتضي الاعتراف بأن الجامعة استطاعت أن تُحقّق عدداً من الانجازات التي تُمثّل نموذجًا ومؤشّرًا لما يمكن أن تقوم به الجامعة إذا ما توفرّت لها جُملة من الشروط ذات الصلة.
واعتبر المشاركون أن العقود المتوالية أثبتت ضرورة بلورة وإعمال رؤىً جديدة خلاّقة للنهوض بجامعة الدول العربيّة، وتحقيق الطموحات الهادفة إلى إقامة نظام إقليمي قويّ يُحصّن البلدان العربيّة تجاه تحديّات التقاطب الدولي، ويؤمّن تحقيق السلم والعدالة والديمقراطية والتنمية والتضامن السياسيّ والدبلوماسيّ، وكذلك التعاون والاندماج الاقتصادي العربييّن.
وأشاروا إلى أنه يتعيّن إعادة النظر بشكل جذري في مؤسّسات جامعة الدول العربيّة وإجراءات عملها، ومن ضمنها آليات التصويت واتّخاذ القرارات وتنفيذها. وفي هذا السياق، أبرز المشاركون ضرورة تعديل ميثاق الجامعة، واستعرضوا الجهود التي بُذلت في هذا الصدد سواء من قبل لجان رسمية مختصة منبثقة عن الجامعة أو من خلال الأدبيات العربية عامةً.
وركزوا على توصيات تضمنت الدعوة إلى ضرورة النظر بجدية في العلاقة ما بين السيادة الوطنية للدول المستقلة وضرورة تعزيز صلاحيات الجامعة كمنظّمة يستحسن أن تُعزَّز في ميادين مُعيّنة، ومراجعة علاقة الجامعة بالشعوب العربية، ويتجلّى ذلك في مراجعة بنية البرلمان العربيّ وطريقة عمله وآليات اتخاذ القرار فيه، بل وإعطائه دورا تشريعياً يتجاوز المهام الاستشارية المنوطة به حتى الآن.
وشملت أيضًا إعادة النظر في علاقة الجامعة العربيّة بالمنظمات غير الحكومية المُمثّلة لطموحات المجتمع المدني المُتجدّد الناهض في البلدان العربية، الوعي بأهمية التواصل الاستراتيجي من خلال تطوير التقنيات الحديثة للاتصال بشكل يُعزّز من الانتماء القوميّ العربيّ ويحفظ التنوع الثقافي في الوطن العربيّ، إضافة إلى حملة تعبئة شاملة على مستوى الوطن العربيّ كله، للتحسيس والتوعية بضرورة إجراء عملية الإصلاح المرجوّة، تشمل النخب الفكرية، وهيئات المجتمع المدني، وصُنّاع القرار، ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة والافتراضية
وشهدت الورشة الرابعة مناقشات مستفيضة حول القضايا الرئيسية المرتبطة بمشروع الدولة الوطنية العربية وارتباطها بالتكامل العربيّ، مع التركيز على التحديّات التي تواجه مشروع الدولة الوطنيّة في الوطن العربيّ، ودور المواطن والمواطنة في سياق الدولة الوطنيّة العربيّة، والسجّل التنمويّ والحاضنة الثقافيّة للدولة الوطنية العربيّة، وتناولت المناقشات عددًا من الإشكاليات والتحديّات الرئيسية.
وخرج المشاركون بتوصيات أهمها الدفاع عن مشروع الدولة الوطنيّة، ومقاومة مشاريع التقسيم والتفتيت، مع التأكيد على ضرورة تطوير "الدول الوطنيّة"، لتصبح أكثر فاعلية وكفاءةً وقدرةً على القيام بوظائفها الرئيسية تجاه مواطنيها، إضافة إلى معالجة أزمة التكامل على المستوى العربيّ، وذلك من خلال عددٍ من الإجراءات أهمّها: تطوير آليات جامعة الدول العربيّة، ودعم التوجّه نحو التكامل العربيّ مع التركيز على التكامل الثقافي.
تجدر الإشارة إلى أن ورش العمل هذه تأتي استعداداً لإطلاق التقرير العربيّ الثامن للتنمية الثقافية، الذي دأبت مؤسّسة الفكر العربيّ على إصداره سنويًا، وأيضًا في إطار التحضير لعقد مؤتمر "فكر" في دورته الـ14، وهو المؤتمر الذي تنظّمه مؤسّسة الفكر العربيّ في القاهرة برعايةٍ كريمة من فخامة رئيس جمهوريّة مصر العربيّة السيد عبد الفتّاح السيسي، وبالتعاون مع جامعة الدول العربيّة، في إطار الذكرى الـ70 لتأسيس جامعة الدول العربيّة (1945- 2015).