الشارقة ـ العرب اليوم
اختتمت فعاليات "الملتقى الفكري" الذي ينظمه مهرجان "أيام الشارقة المسرحية" تحت عنوان "المسرح العربي وتحديات الراهن"، صباح أمس الخميس في فندق هوليداي انترناشيونال، بمشاركة نخبة من النقاد والمسرحيين العرب.
وجاءت الندوة الثانية للملتقى تحت عنوان "المسرح في مواجهة التحديات: تجارب الأمس واليوم" تحدث في جلستها الأولى الكاتب والناقد حافظ جديدي، والمخرج والممثل تامر عربيد، والمخرج والكاتب تقي سعيد، وأدارتها المخرجة والباحثة ليلى محمد.
وشارك في الجلسة الثانية كل من الممثلة والمخرجة هاجر الجندي، والمخرج والكاتب بوسرحان زيتوني، والباحث والمخرج علي شوابكة، وأدارها الناقد حميد علاوي .
واستعرض جديدي في ورقته التي حملت عنوان "المسرح وتحولاته عبر الزمن" وضع المسرح كفنّ استطاع تحقيق التواصل مع التقاليد والمقاييس الأولى للمسرح، مشيرًا إلى الحقب التاريخية التي تمتدّ إلى عهد الإغريق وصولًا إلى التحوّلات الكبرى التي عرفها المشهد الفرجوي عمومًا في علاقته بالتكنولوجيات الحديثة والكيفية التي تعامل بها المسرح مع هذه المستحدثات .
وتوقف عند التجربة المسرحية التونسية كنموذج للتحول الذي يشهده المسرح العربي اليوم باستعراضه سلسلة من الأعمال التي خرجت من إطار مسرح العلبة وأسست لتجربة مسرح الشارع، وما يطلق عليه "وان مان شو"، مستعرضا نماذج عدة لفرق مسرحية تونسية قدمت تجاربها بالشارع وفي تفاعل حي مع الجمهور .
وقدم المسرحي تامر عربيد في مداخلته راهن المسرح السوري، بتأكيده "أنَّ المسرح السوري مازال يرتهن إلى الأمل، ولم يتوقف رغم ما يجري على الأرض من اقتتال وشتات وتشظي، إذ شهدت المعاهد المسرحية خلال السنوات الأربع الماضية أكثر من خمسين عملا مسرحيا، وخرجت العديد من التجارب المسرحية لاسيما الشابة منها إلى الناس عبر الساحات العامة والشوارع، وظهر خلال هذه الفترة التي مضت تجارب مهمة في مسرح الفرجة قدموا خلالها عددًا من العروض الحية المتجردة من كل التقنيات الصوتية، والديكور وغيرها" .
بدوره أكد المسرحي تقي سعيد "أنّ الأزمات التي عاشها الوطن العربي تركت أثرها العميق في الثقافة والمثقفين، فهاجر الكثير من المسرحيين وحوصر العديد منهم، ومنهم من تم اغتياله فطغت ثقافة موازية فيها الكثير من الشللية وتشويه الحقائق ولم تعد العروض المسرحية تحمل تلك القيمة الفنية الراقية التي تعبر عن وعي المبدع العربي بقضاياه ومصيره، انطلاقًا من واقع أمته وما تواجهه من مؤامرات وأخطار" .
وبيّن سعيد أن العديد من التنظيمات العربية التي كانت تهدف إلى تنمية وتطوير المسرح العربي كاتحاد المسرحيين العرب اختفت، وغاب معها العديد من المهرجانات التي كانت مناسبة يلتقي فيها المبدعون العرب فتمكنهم من الاطلاع على مختلف التجارب في أنحاء الوطن العربي كافة، واختفت كذلك الملتقيات والندوات المتخصصة لاسيما في مجال النقد والكتابة .
واستهلت المخرجة هاجر الجندي مداخلات الجلسة الثانية للندوة، في ورقة تحت عنوان "المسرح العربي . . نحو هندسة ثقافية"، موضحةً أنَّ "الهندسة الثقافية تتمحور حول تحديد وضبط النظم والوسائل الضرورية للتخطيط لسياسة واستراتيجيات المؤسسات الثقافية والقطاعات الحكومية والمقاولات الخاصة التي يستدعي تسييرها التعامل مع المعطى الثقافي بكل أبعاده" .
وبينت سعيد "أن الهندسة الثقافية كونها تعد رافدا مهما لتحقيق التنمية وتطوير المجتمع ومؤسساته، فإنها تأخذ بعين الاعتبار المعطيات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وتعتمد آليات مناسبة لمجالات تطبيقها، وعليه، فهي تعد رهانًا استراتيجيا من أجل تطوير البلاد" .
وتوقف الباحث علي شوابكة في مداخلته التي حملت عنوان "المسرح العربي والتنوير؟" عند أهم التحديات الداخلية والخارجية التي تواجه المسرح العربي، ودور المسرح العربي في التصدي لهذه التحديات وأهمها القوى الظلامية، التي تعد من أخطر ما حلّ بالواقع العربي، بما تحمله من تطرف من شأنه تكبيل الثقافة العربية وعلى رأسها المسرح العربي.
وتناول شوابكة واقع المسرح العربي، وما اعتراه من تراجع في الشكل والمضمون في الآونة الأخيرة، لافتا إلى أن ذلك أسهم في غياب الخطاب التنويري الذي كان مهمة المسرح الأصيلة طوال العقود الماضية .
ودعا في ورقته إلى أن يضطلع المسرح والمشتغلون به بدورهم الحقيقي الجاد، معتبرا أن ذلك لا يمكن أن يتحقق إلا بمساندة جادة من أصحاب القرار في المؤسسات الثقافية، ومواصلة في جهود المسرحيين السابقين .
واختتمت الندوة في ورقة الكاتب بوسرحان زيتوني التي جاءت في عنوان "المسرح ومصائر التحول"، حيث أوضح فيها أنَّ "المسرح كالكتابة يعيش في كل لحظة موته وولادته في كل عرض، إنه يغادر كل مرة نحو مصير جديد، وقد لا نلحظ تغيره في بعض الأحيان لبطء غير محسوس، ولكن في أحايين حاسمة يتحقق بقفزات ملموسة منظورة" .
وأضاف: الإبداع في الفن وفي المسرح يأبى التكرار والاجترار، لهذا لم تصمد الأرسطية ولا الستانلافسكية ولا البريختية ولا الآرتوية ولا أي من الاتجاهات، لأن كل واحدة إنما تعبر عن مرحلة لا تلبث أن تنتهي، حتى بالنسبة لأصحابها.