بغداد – نجلاء الطائي
تحلم الفنانة البغدادية مينا الحلو، 39عامًا بتأسيس ملتقى فني وثقافي للفنانين والأكاديميين والإعلاميين، يكون بمثابة مقهى لهم يتبادلون فيه مشاريعهم الفنية ونظرتهم إلى الحياة، ويعرضون نتاجاتهم الجديدة سواء افتتاح المعارض الفنية او حفلات توقيع الكتب أو الاستماع لمقطوعات موسيقية جديدة، او حتى تنظيم عروض للأزياء، ومشاهدة العروض السينمائية.
كانت أولى خطوات تحقيق الحلم هي افتتاح أول مركز ثقافي من نوعه في بغداد أطلق عليه اسم "أوج بغداد" يتوسط منطقة هادئة في الكرادة شرقي نهر دجلة وسط العاصمة بغداد والذي استطاع خلال فترة قصيرة من افتتاحه ان يجذب نحوه أنظار الفنانين والنخب المثقفة فيه، وتعاني بغداد ومنذ سنوات طويلة انحسارًا كبيرًا في صالات العرض الفني والمقاهي الثقافية التي كانت العلامة البارزة لشكل الحياة فيها، مقابل فقدان دور العرض الحكومية والموجود منها اعتاد تنظيم معارض صباحية يزورها القليل فقط بسبب محاصرتها في الجدران الكونكريتية.
وتضم بغداد العديد من قاعات العرض التشكيلي منها الحكومية مثل قاعات المتحف الوطني للفن الحديث وقاعة الرواق وقاعات مركز صدام للفنون وقاعة النصر وقاعة الرشيد وقاعة التحرير، إضافة إلى القاعات الخاصة مثل الأورفلي، وهي أول صالة عرض تشكيلي خاصة افتتحتها الفنانة التشكيلية وداو الأورفلي وحققت نجاحات مهمة، وصالة الفنان التشكيلي رافع الناصري والصراف وأثر وحوار ودالي، نسبة للفنان السريالي سلفادور دالي، ومدارات وأكد واينانا وفهمي القيسي وبغداد والعلوية وعين، وغيرها.
وكان الفنانون العرب يتهافتون على بغداد للحصول على موطئ قدم فيها، سواء لزيارة معارضها او الدراسة في أكاديمياتها ومعاهدها الفنية، أو للعرض في قاعاتها والاستفادة من خبرات قنانيها الكبار، وبسبب اضطراب أوضاع الأمنية في البلاد، وغياب دعم الحكومة للنشاطات الفنية، انحسرت قاعات العرض الفني، والصالونات الثقافية وأغلقت الكثير ابوابها وهجرها أصحابها، بعد هجرة الكثير من العائلات العراقية التي كانت حريصة على ارتيادها واقتناء الأعمال الفنية.
الحال ذاته مع حركة السياح والوفود الذين كان لوجودهم مثارا لتحقيق زيادة في المبيعات والتسويق وديمومة هكذا نوع من القاعات، لكن الحال يبدو انه اتخذ مسارا اخر خلال النصف الاول من هذا العام، عندما بادر بعضهم لاجل افتتاح قاعات فنية ومقاهٍ ثقافية املا في جذب الجمهور من جديد والتواصل مع ابداع الفنانين، بعضهم جازف بمشروع تجاري بالتعاون مع ميسورين، واخرون استعانوا بحماسة فنانين لديهم املا بتحقيق التغيير.
تقول مينا الحلو حول الموضوع "فكرت مع آخرين ان لا نتوقف، فبعد انتظار سنوات طويلة بانتظار تحسن الظروف المعيشة في البلاد، صار القرار ان نبدأ ونضع كل خبراتنا لاجل انجاح المشروع، واقصد افتتاح مركز ثقافي يحتضن كل الفنون، وان يكون ملتقى الفنانين والمثقفين، بدأنا في اذار الماضي، بمعرض لمقتنيات القاعة، اضافة الى معرض للفنانة ساجدة المشايخي وتلاه معرض للفنانة الكبيرة عشتار جميل حمودي استطاع ان يجذب اليه الانظار ويشجعنا على تقديم المزيد".
وأضافت "نطمح لأجل لم شمل الفنانين اقامة معارضهم مجانا، وتكون هناك اعمال معروضة للبيع، وما يحصل عليه الفنان من موارد تكون للقاعة نسبة محددة فيها كموارد لدعم عملنا، وما لاحظته ان الفن العراقي يشهد ظهور طاقات ومواهب شابة تثير الانتباه وبحاجة الى من يعرض نتاجاتها للجمهور"، مينا خريجة معهد الفنون الجميلة وكانت الاولى على قسمها وكذلك درست التصميم الطباعي في اكاديمية الفنون الجميلة وتخرجت منذ عام 2002 لكنها لم تستطع ممارسة اختصاصها بالتصميم الطباعي في اي جريدة او مطبوع محلي كونها تابعة لاحزاب معينة وليست مستقلة، وهي تقول اصبح نجاح القاعة هو حلمي الان وهي ستكون مخصصة للنخبة ولا نسمح لارتيادها من قبل الطارئين او ممن يرمون قضاء الوقت بشكل غير مجد كي نحافظ على سمعتها وتوجهاتها.
وبشأن النجاح التجاري والمادي لمثل هكذا مشاريع، تقول مينا: "مشكلتنا هي ان البيع قليل، لاسباب عدة اهمها ان الفنان هو من يقيم اعماله ويضع لها السعر الذي قد لا يتماشى مع الاوضاع الاقتصادية السيئة للبلد وعدم استقرار الاوضاع السياسية ايضا، لذلك صار الاهتمام بشراء لوحة هو آخر اهتمامات المواطن العراقي الذي ينشغل بتأمين احتياجات اكثر اهمية مثل مبلغ الايجار او اجور المولد الاهلي او تأمين متطلبات دراسة الابناء او احتياجات البيت الكثيرة وغيرها".
اما عن اهم معوقات مثل هكذا صالات فقد قالت: "اضطراب الاوضاع الامنية وتصاعد حدة التظاهرات التي عادة ما تنظم في ايام الجمع من كل اسبوع وهو اليوم الوحيد الذي يمكننا من تنظيم الفعاليات لكن الأمر لم يعد ممكنا لان عمليات بغداد تعمد الى إغلاق معظم الطرق وقتها ويصبح أمر تجوال المواطن عسير جدًا".
وشهدت بغداد في الآونة الأخيرة افتتاح عدد من القاعات الفنية الأهلية، من بينها قاعة برونز وقاعة اينانا وارت فن واخرها افتتاح بيت المعرفة المندائي في مقر معبد الصابئة المندائيين كمحاولة جديدة لاجل الاهتمام بكل اشكال الفنون وبما يعزز انتعاش المشهد التشكيلي والفني في البلاد، وتأكيد ارتباط العراقيين بطقوسهم الفنية والثقافية التي اعتادوا عليها فيما مضى من السنوات، لكنها تبقى برغم ذلك مغامرة تجارية غير مطمئنة بحساب احتمال عدم نجاحها او تواصلها بالشكل الذي يخطط لها أصحابها.
يقول مدير قاعة بيت المعرفة الفنان التشكيلي حامد رويد إن افتتاح البيت المندائي خطوة باتجاه دعم حركة الفن التشكيلي في العراق، وتأكيد على انفتاح الثقافات مع بعضها وتبادل الخبرات ومحاولة لأجل تنشيط الفنون والآداب وتنظيم المعارض التي باستطاعتها ان توفر مناخات مناسبة للفنان والمتذوقين للفن أيضًا، الدكتور شفيق المهدي رحب بشدة بافتتاح مثل هكذا قاعات، واعتبرها عودة للحياة المدنية التي نطمح لها، ومنفذًا جديدًا لأجل الاهتمام أكثر بالمبدعين خصوصًا الشباب منهم وتنشيط نتاجهم وإسهاماتهم في خدمة المشهد التشكيلي والفني في العراق.
أضاف أن وجود المزيد من قاعات العرض الفني، يحمل معه معاني مهمة من بينها أن الحركة الفنية تتعافى من سباتها وتعيد لبغداد العام الماضي، وتحفز كل المهاجرين على العودة لأن بغداد هي أصل الفنون، كما أنها تزيد من جمال أماسي المدينة وتعطيها حيويتها التي فقدتها بسبب الحروب والخشية من المجهول وفقدان الامان".