القاهرة - محمد عمار
الموت هو الحقيقة الوحيدة التي ننتظرها، ورغم ذلك نتشائم ونحاول أن نهرب من سيرته إذا جاءت في أحد الأحاديث. ومع ذلك هناك أشخاص ذهبوا الى العمل مع الأموات لمعرفة المراحل التي يمر بها الإنسان بعد الموت حتى نزوله القبر، لذلك نستعرض الوضع في هذا التحقيق.
عامل الثلاجة
في أحد المستشفيات الحكومية تحدث ممدوح الأسد أحد العاملين في ثلاجة المشفى والتي تحفظ فيها جثث الموتى الذين أسلموا أرواحهم. وقال إن "العمل هنا مثل أي عمل آخر فأنا أنقل الجثة من الحجرة إلى الثلاجة بأمر الطبيب، ولا تخرج إلا بوجود أهل المتوفي وبتصريح من الطبيب المناوب".
وعن أول يوم عمل له قال: : "بالطبع أحسست بالرهبة الشديدة وكنت أرى كوابيس لكن مع مرور الوقت بدأت أعتاد على الأمر وأصبح شيئا عاديا. وأوضح ممدوح أنه تسلم العمل بعد فترة تدريب وكل مهمته هي أخذ الجثة وترقيمها برقم ووضعها في أحد أدراج ثلاجة الموتى تحمل نفس الرقم حتى لا تتعفن الجثة، وخاصة إذا كانت الوفاة قد حدثت في ساعة مبكره من المساء ففي هذه الحالة تنتظر الجثة للصباح حتى يأتي أقارب المتوفي لإستلامها".
وعن المواقف التي تعرض لها أوضح أنه "عندما أدخلت جثة أحد الأطفال الثلاجة وكان ذلك في بداية عملي منذ عدة أعوام .. سمعت بكاء طفل وقتها شعرت أن قلبي سيخرج من بين ضلوعي وخرجت حاملا قدمي المتثاقلة وأتصبب عرقا، وسألني زميلي عن حالي ومما أعانيه فقلت له ما حدث لي في الثلاجة فضحك، وقال لي أنه بكاء الطفل في الحجرة المجاورة ضربته أمه أثناء زيارة أحد المرضى" .
وأضاف ممدوح أنه تعرض بعد ذلك لموقف أخر عندما أمره الطبيب لإخراج جثة لرجل مسن توفي في حادث سير وكانت قد وضعت في الثلاجة منذ يومين وفور إخراجي لها إنبعثت منها رائحة ياسمين على الرغم من أن الرجل كان يعمل بائعا للفول فأحسست أن هذا الرجل صالح.
مغسل موتى
وتحدث الأستاذ أحمد علي ويعمل مهندسا ولكنه يساعد في تجهيز الموتى وتغسيلهم، فقال عملت في هذا العمل منذ أن كان عمري ثلاثة عشر عاما. وقابلت العديد من المواقف التي لم أنساها طوال حياتي فمنها عندما كنت أقوم بتجهيز رجل شاب كان قد توفي وهونائم وجدته يبتسم وإبتسامته كانت تتسع، وراودني الشك من أنه حي ولكن بإعادة الكشف من قبل الطبيب أكثر من مرة وجده متوفيا، ولكن ظلت إبتسامته عالقة في ذهني ولم أهدأ إلا عند السؤال عن حياة هذا الشاب الذي توفي في عمر الثلاثين عاما، فقدعرفت أنه كان يقوم بتربية طفلة يتيمة مات أهلها في حادثة سيارة وتركوها بمفردها.
وموقف آخر عندما دخلت على أحد الرجال وهو متوفٍ لتجهيزه، فوجدت الدموع في عيونه تنهمر ولا تتوقف ولا أدري السبب في البداية خشيت أن أسأل عن أحواله ولكن علمت أن أمه كانت غاضبة منه منذ أيام ولم تسامحه بعد أن ترجى مسامحتها الغريب أن فور سماع أمه بخبر وفاته جاءت مهرولة تبكي وتمسح عيونه وتقبل وجنتيه وتخبره بمسامحتها له، بعد ذلك توقفت الدموع تماما وقمت بتجهيز الجثة.
وتحدث عن طبيعة المقابر وما قد يحدث فيها الحاج علي التربي والذي يعمل في أحد مقابر البساتين في منطقة مصر القديمة في محافظة القاهرة حيث قال: إن المقابر تنقسم إلى نوعين إما لحود وفيها يدفن متوفٍ واحد فقط و إما عيون وفها يدفن أكثر من متوفٍ ينتمون إلى عائلة واحدة .. وأشار الى أن المقابر في الليل تكون مكروهة زيارتها لأن المنظر العام يثير الرعب والخيفة. وعن المواقف التي حدثت له قال: إنه في أحد الأيام قام بدفن أحد المسنين، وقبل أذان الفجر خرج ليتفقد حال المقابر فوجد مصباحا مضاءً من داخل حوش قبر هذا الرجل ففتح باب الحوش فلم يجد أي شيء، ووجد نورا نابعا من حروف القبر المستطيل. وفي موقف آخر أضافه الحاج علي قال: إنه عند قيامه بدفن أحد الرجال في مقابر أسرته وجدت جثة خال هذا المتوفي كما هي، والغريب أنه كان قد دفن هذا الخال منذ عام.
الكفن
وعن صناعة الكفن قال الحاج عبده أحد بائعي الأكفان في حي عابدين في القاهرة: إن الكفن يتكون من أكثر من طبقة ويكون غالبا لونه أبيض سادة أو أبيض به بعض الخطوط الطولية. وعن أهم مواقفة التي مر بها على مدار مهنته قال أنه في أحد الأيام كان يصنع كفنا لأحد المتوفين وكلما حاول لف الكفن على الجثة كان يظهر قصيرا عليه على الرغم أنه أستخدم حوالي 12 مترا لصناعة هذا الكفن، وقتها لم يجد تفسيرا منطقيا ولكنه دعى كثيرا لهذا المتوفي لأنه علم بعد ذلك أنه كان يجهر بالذنوب . .