الفنانة ميريم حتحوت

بملامح سمراء اللون من «أرض الذهب»، وعناصر تعبر عن أصالة التراث المصري، حيث تقبع «النوبة»، تلك المنطقة الواقعة في جنوب مصر على طول نهر النيل حتى شمال السودان، يمكن الاستمتاع بحالة مصرية خالصة، عبر بصمات الفنانة ميريم حتحوت، من خلال معرضها الفني «أرض الذهب»، المستمر حتى 10 فبراير (شباط) الحالي، حيث حولت «النوبة» إلى ثيمة فنية يمكن معايشتها، والتعرف على روحها المميزة من خلال التحاور مع لوحاتها.

تتجول التشكيلية المصرية عبر لوحات معرضها لتؤكد على أن النوبة هي أصل الحضارة المصرية، وعلى اللوحات يمكن لمس حالة من العشق الفني لهذه البقعة المصرية، خصوصاً أن المعرض يعد الثاني للفنانة، الذي يدور عن النوبة، بعد أن قدمت معرضها الأول قبل نحو 10 سنوات، إلا أن هذا العشق لم يتوقف طوال هذه الفترة الزمنية، لتعود ميريم حتحوت مجدداً إلى فرشاتها، وتحط على مهبط النوبة مرة أخرى، لتبعث برسالة فنية من «أرض الذهب» تؤكد أنه «لا يزال هناك ما يعبر عن هويتنا وموروثاتنا الثقافية، وخصوصيتنا التاريخية».

تقول صاحبة المعرض: «رغم أن معرضي الأول عن النوبة كان منذ 10 سنوات، فإنني شعرت أنه ما زال لدي ما يمكن أن أعبر عنه عن النوبة، التي أجدها قريبة مني للغاية، حيث تأثرت بأهلها وثقافتهم وعاداتهم وطقوسهم واحتفالاتهم وتراثهم وتاريخهم وطريقة معيشتهم، إلى جانب ألوانهم المبهجة التي تمتزج بسمرة البشرة السمراء، وهو الخليط الذي أثّر في وجداني بشكل كبير، وقررت أن أعود إليه بعد هذه السنوات، لأنقل المزيد عنه، بما يشبع ذائقتي الفنية، ويلبي اهتمامي بالتعريف بهذه الأرض المصرية لمن لم تطأ قدمه عليها من قبل».

تتوغل لوحات معرض «أرض الذهب» لتنقل ملامح نوبية إنسانية وثقافية، في حالة تلقائية من الرسم ومسك الفرشاة وتركها تنطلق على اللوحات في عفوية، حيث تشير حتحوت إلى أنها حاولت التعبير عن الملامح التي تأثرت بها، فهي أحياناً النوبية التي تطوف بنا على المنازل النوبية بأشكالها المميزة وزخرفتها البدائية، ثم تدخل إلى هذه المنازل لكي تنقل مشاهد من عادات السيدات النوبيات وطقوسهن اليومية، خصوصاً في الطهي وإعداد الطعام والعجائن وغيرها، وتخرج منها إلى جلسات الرجال اليومية للحديث والسمر خاصة خلال الليل، ثم تترك هذه المشاهد إلى أخرى تدور في رحاب الأسواق والتجمعات لنرى مشاهد واقعية من الحياة في النوبة.

وفي أحيان أخرى، تنقل التشكيلية المصرية للمتلقي مظاهر من الأعراس النوبية، وما بها من طقوس مثل الرقص والترابط والقرب، حيث ترتكز فيها على بيان الحالة الجماعية، وامتزاج أهالي النوبة خلال هذه الحالة ببشرتهم السمراء مع الملابس البيضاء للرجال أو المزركشة بالنسبة للنساء. ولم تنسَ أيضاً أن تعبر عن الطبيعة البكر في النوبة حيث الشجر والنيل والجبال والرمال.

كما عرجت صاحبة المعرض إلى التاريخ النوبي، لتنقل جانباً من ذكريات التهجير من الأرض عام 1964م، عندما ضحى النوبيون بترك أرضهم القديمة على ضفاف نهر النيل، حتى تستكمل مصر بناء مشروع السد العالي، حيث تنقل الفنانة مشاهد أثناء ركوب المراكب والصنادل النيلية.

ومع الاهتمام الشخصي لصاحبة المعرض بالحيوان، كونها ناشطة في مجال إنقاذ الحيوانات، نجد ظهوراً لـ«الحمار» في كثير من اللوحات، حيث توظفه في كافة المشاهد السابقة جنباً إلى جنب من أبطال لوحاتها، فقد نجده في الأسواق وفي التجمعات البشرية، كما لم تتخل عنه فوق مراكب التهجير مصاحباً للمهجّرين من أهالي النوبة.

أمام هذه المشاهد والملامح النوبية، نجد أن الرابط بينها هو البهجة اللونية، حيث استطاعت الفنانة من خلال الألوان الواضحة والمبهجة أن تقدم لوحاتها باستلهام روح المكان، فنرى الخلفيات الصفراء والخضراء، والتضاد اللوني بين لون البشرة والملابس، إلى جانب الألوان المعبرة عن الطبيعة، وهو ما أحدث في النهاية حالة من البهجة القوية، التي تجذب المتلقي ليُمعن النظر ويتأمل ما تعكسه اللوحات على سطحها.

وقد يهمك أيضًا :

مروة الحائك تكشف أسباب غياب معارض الفن التشكيلي في العراق

فنانة كويتي تنجح في تحقيق التكامل في الرؤى وتمزج الدراما بالرسم