لندن ـ كاتيا حداد
يقف المبنى الوردي No 1 Poultry، الذي صممه جيمس ستيرلنغ، عند تقاطع البنك في مدينة لندن، مشابهًا لمبنى "باتنبرغ جاليون"، الذي يتميز بالرؤية المختلفة للرسم المعماري، مغطى بالحد الأدنى من الزجاج البرونزي الملون، والبرج المكون من 19 طابقًا في ساحة قصر العمدة، وهو المبنى الوحيد الذي رسمه ميس فان دير روه في بريطانيا.
لقد كان حلم طموح للمطور المعماري والمليونير البالغ من العمر 27 عامًا، بيتر بالومبو، الذي كان من محبي الباوهاوس الألمانية الأميركية، ولمح فرصته في التعامل مع "ميس" عندما كان هو ووالده يخططون لما يجب القيام به في موقع رئيس الوزراء في المدينة، لذلك عام 1962 زار اللورد بالومبو البالغ من العمر 76 عامًا، شيكاغو وبتكليف منه طلب القيام بكافة الأعمال أي كانت التكاليف.
وبعد بضعة أشهر، تلقى بالومبو مجموعة كبيرة تحتوي على رسومات، وماكيت كامل متكاملة من البرونز، مع ملحوظة مكتوبة بخط اليد، "هل هذا ما كانت تخطط له؟" كان ماكيت المبنى يشبه نسخة مصغرة من المبني الذي صممه "ميس" عام 1958، وهو مبنى سيغرام في نيويورك، إلا أنه سيكون في نصف ارتفاع المبنى الأصلي، وسيكون في الطرف الغربي من ساحة عامة كبيرة جديدة، والذي سيتعين هدم العديد من المباني الفيكتوري لإنشائه. كانت هذه قصة العميل المبهور والمهندس المبدع حينما كان على فراش موته، وحصل "ميس" على فرصته الأخيرة ليضفي للعالم برج برونزي أخر.
وانتابت المدينة سعادة غامرة. "ميس قادم إلى لندن!" هللت الصفحة الأولى في الصحف اليومية. بعد بضع سنوات من وضع التصميمات - المعروضة في هذا المعرض لأول مرة - حصل المشروع على التصريح في أيار/مايو 1969. وبعد ثلاثة أشهر، مات ميس.
وكان بالومبو في ورطة وضغط شديد. إلا أن مساعدي المهندس المعماري أقنعوه أن ميس كان قد رسم بالفعل جميع تفاصيل التصميم بيده، لذلك بدأ بالعمل في الموقع. وتعتبر مهمة شاقة حيث كان المبني يضم 13 مبنى مباعين و348 مبنى مستأجرين سابقًا، وسيستغرق الأمر 11 عامًا للانتهاء منه بتكلفة تصل إلى 10 مليون جنيه استرليني، وفي نفس الوقت تغير المشهد الثقافي والسياسي بشكل يصعب التعرف عليه. وبحلول عام 1982، عندما تم تقديم المشروع مرة أخرى للتخطيط، بدت الشركات الأميركية، وكأنها تعود إلى حقبة ماضية. وتغيرت المواقف تجاه المباني الفيكتورية، التي كان بالومبو يخطط لهدمها، بشكل ملحوظ، والتي أصبحت الأن تراث معرض للخطر يجب الحفاظ عليه.
وكتب المؤرخ غافن استامب إلى رئيس الوزراء آنذاك مارغريت تاتشر، أن "مقترحات السيد بالومبو المثيرة للجدل رجعية للغاية"، لأسباب ليس أقلها أن المهندس الألماني البالغ من العمر 99 عامًا ميت.
وكشف المهندس المعماري الأميركي فيليب جونسون، الذي كان أساسيًا في تأمين اللجنة الأولى لميس "في الولايات المتحدة ويرعي معرضًا لأعماله في متحف الفن الحديث عام 1947، حول ما اعتبره مخطط من الدرجة الثانية، وقال "أنا أعتبرها فكرة سيئة لواحد من أعظم المهندسين المعماريين في القرن العشرين، أن يمثل بعد وفاته في ما يمكن أن تكون أعظم مدينة في القرن العشرين بقطعة معمارية غير مهمة"، كتب ذلك عام 1984، حيث أجرى تحقيق علني بشأن إطلاق المشروع.
وتقدم ريتشارد روغرز وغيره من المشجعين الحداثيين للدفاع عن "ميس". وقالوا، في حالة الانتهاء من المبنى ستعم لندن حالة من الفرح والحماس، وسيزور الكتاب والسياح والمتخصصين المبنى لتصويرة بالآلاف، فهو البناء المستوحي من عمل فني عظيم". ولكن المد قد تحول بالفعل بعيدا جدا. وكعادته وضع الأمير تشارلز مسمارًا في نعش المشروع، واصفًا البرج بأنه "جزع الزجاج العملاق، وأضاف أنه أكثر ملاءمة لوسط مدينة شيكاغو من مدينة لندن"، وهو الرأي الذي أيدته وزيرة الخارجية.
وهكذا يبدأ الجزء الثاني من المعرض، قصة سريالية مشابهة لقصة بالومبو تعود إلى غريمه جيمس ستيرلينغ، الذي دعم مخطط ميس في الماضي. وكان موقع الذي يشتمل على بنك لوتنس ميدلاند، وكنيسة القديس ستيفن رين، وبنك سواني في انكلترا وقصر البيت الرقص، أشبه ببوفيه الفواكه، مما سنح للمهندس للبدأ في العمل عليه.
وظهر تصميم ستيرلينغ الزاهي في صفحات كراسات الرسم مع صور للنموذج، موضحًا عينات من محيط المكان من أحد الجيران، ومن نوافذ من جهة أخرى، ومن برج غريبة من جهة ثالثة. وبرز تصميمه بهندسته الكونية واصطدم بالزخارف البارونية، جعل قسمًا من الأرض حديقة نباتات للزينة على السطح، وصمم شلال يتدفق أسفل الواجهة. قدم تصميم ينضح بالطاقة، والذكاء والأصالة. ولكن بحلول الوقت لتنفيذ تصميم No 1 Poultry الجديد، وبعد استجواب علني آخر، كان ستيرلينغ قد توفي منذ ست أعوام، وكان بندول الموضة المتقلب قد تأرجح مرة أخرى. عندما افتتح المبنى أخيرًا عام 1998، وتم استكماله بعد بواسطة "مايكل ويلفورد" شريك ستيرلينغ، يبدو أكثر سخافة من تصميم ميس الذي وضعه عام 1960، كتب الناقد جوناثان مايديس "بدا الأمر ليس فقط ساذج، لكنه ميؤوس منها." ومر عقدين من الزمن على التصويت الذي صنف المبنى بخامس أبشع مبنى في لندن بواسطة قراء تايم آوت عام 2005، ووصفوه بأنه مثال غير مسبوقة لما بعد الحداثة التجارية".