مراكش - العرب اليوم
برمج مهرجان الحوز "ضواحي مراكش"، ضمن فعاليات دورته الرابعة، التي تختتم، الجمعة، مجموعة من الأعمال السينمائية والوثائقية، ضمت "أصوات المغرب" 2003و"العودة إلى أولاد مومن" 1994 للمخرجة والمنتجة إيزا جنيني، و"أندرومان من دم وفحم 2012 لعز العرب العلوي، وغيرها من الأفلام المهمة.
وانفتحت العروض المبرمجة، وفق محمد اشويكة، منسق فقرة سينما، على مختلف الحساسيات والأجيال السينمائية المغربية، مشيرًا إلى أن الاختيارات جاءت مبنية على التنوع في الموضوعات والرؤى قصد ملاءمتها مع غنى وتعدد أنماط العيش السائدة في الإقليم باعتباره ملتقى لأهم الثقافات المغربية، وعاكسًا لانسجامها، لذلك جاءت الأفلام مختلفة "قصيرة، طويلة، وثائقية، روائية" وبلغات متعددة "أمازيغية، دارجة، فرنسية""
ووصف اشويكة باقة الأفلام المقترحة بـالراسخة في تاريخ السينما المغربية، مشيرًا إلى أن الدورة عرفت تنويعًا لفضاءات العروض، بغرض إطلاع الجمهور على بعض التجارب السينمائية المغربية المتفردة ونشر الثقافة السينمائية على نطاق واسع"
وتميز العرض الفني المقترح في إطار هذه التظاهرة التي تربط الثقافة بالتنمية والتربية، بعرض أفلام تنقل لجانب من تاريخ المغرب، قديمًا وحديثًا، سواءً على الصعيد الثقافي أو السياسي، خصوصًا الحال الذي تناول مسار وتجربة مجموعة ناس الغيوان الأسطورية، و"زينب... زهرة أغمات" الذي شكل فرصة للتعرف على سيرة امرأة لعبت أدوارًا حساسة في تاريخ المغرب، زمن حكم المرابطين، فيما تناول فيلم "الشعيبية" مسار وتجربة فنانة طبعت تاريخ الفن التشكيلي المغربي، وأعاد فيلم المسيرة جمهوره إلى لحظة تنظيم المسيرة الخضراء التي أعادت ربط المغرب بأقاليمه الجنوبية.
ومن بين الأفلام المبرمجة، التي ترتبط أحداثها بجانب من تاريخ المغرب، القديم والحديث، يتميز فيلم زينب... زهرة أغمات بنقله لجانب من تاريخ منطقة الحوز، ومنطقة أغمات، بشكل خاص، سواءً من جهة تصويره فيها، أو من جهة الأدوار المؤثرة التي لعبتها في التحولات التي عرفها المغرب، خصوصًا في القرن العاشر الميلادي، حيث شكلت معقلًا ومنطلقًا للمرابطين، لبسط سيطرتهم على الغرب الإسلامي، في بلاد المغرب والأندلس، قبل تأسيس مراكش، التي جعلوها عاصمة.
وتعتبر زينب بنت إسحاق النفزاوية، التي تناولها فيلم بورقية، أشهر شهيرات النساء في المغرب، حيث كتب عنها ابن خلدون: "كانت إحدى نساء العالم المشهورات بالجمال والرياسة" وكتب عنها ابن الأثير، في كتاب الكامل: كانت من أحسن النساء ولها الحكم في بلاد زوجها ابن تاشفين، فيما كتب الشيخ أبو العباس أحمد بن خالد الناصري، في كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، وعن علاقتها بزوجها يوسف بن تاشفين: كانت عنوان سعده، والقائمة بملكه، والمدبرة لأمره، والفاتحة عليه بحسن سياستها لأكثر بلاد المغرب
ويقال إن زينب النفزاوية كانت وراء تحفيز بناء مدينة مراكش، سواءً عند وضع أساسها الأول أو عند استكمالها على يدي زوجها يوسف بن تاشفين. ونقرأ، في كتاب سبع سيدات مراكشيات باستحقاق لمؤلفه محمد الصالح العمراني بن خلدون، أن الأميرة زينب النفزاوية هي أم فكرة بناء مدينة مراكش حاضرة للمغرب المسلم الكبير من حدوده مع مصر نهر النيل إلى حدوده مع السنغال
ووصف المؤلف زينب النفزاوية بالزوجة الوفية والطموح، والمستشارة النصوح والصدوق، إلى أن يختم حديثه عنها، بقوله: وتعزز مفعول ما تكون الأميرة زينب النفزاوية قد أوحت به إلى أمير المسلمين، زوجها، يوسف بن تاشفين، من أن تكون لدولة إمارة المسلمين المرابطية عاصمة حاضرة لهذه الدولة، دولة المغرب المسلم الكبير، واستجاب يوسف لزَيْنبته، فبنى لها مدينة مراكش"
وتبقى أهم محطة في الأدوار المؤثرة التي لعبتها زينب النفزاوية، في تاريخ مراكش وحكم دولة المرابطين، هي تلك التي وردت في كتاب الاستقصاء للشيخ الناصري، حيث نقرأ: "كان الأمير أبو بكر بن عمر اللمتوني قد تزوج زينب بنت إسحق النفزاوية وكانت بارعة الجمال والحسن... وكانت مع ذلك حازمة لبيبة ذات عقل رصين ورأي متين ومعرفة بإدارة الأمور حتى كان يقال لها "الساحرة"، فأقام الأمير أبو بكر عندها في أغمات نحو ثلاثة أشهر، ثم ورد عليه رسول من بلاد القبلة فأخبره باختلال أمر الصحراء ووقوع الخلاف بين أهلها، وكان الأمير أبو بكر رجلًا متورعًا فعظم عليه أن يقتل المسلمون بعضهم بعضًا وهو قادر على كفهم، ولم ير أنه في سعة من ذلك وهو متولي أمرهم ومسؤول عنهم، فعزم على الخروج إلى بلاد الصحراء ليصلح أمرها ويقيم رسم الجهاد بها، ولما عزم على السفر طلق امرأته زينب، وقال لها عند فراقه إياها: "يا زينب إني ذاهب إلى الصحراء وأنت امرأة جميلة بضة لا طاقة لك على حرارتها وإني مطلقك، فإذا انقضت عدتك فانكحي ابن عمي يوسف ابن تاشفين فهو خليفتي على بلاد المغرب"، فطلقها، ثم سافر عن أغمات وجعل طريقه على بلاد تادلا حتى أتى سجلماسة فدخلها وأقام بها أيامًا حتى أصلح أحوالها ثم سافر إلى الصحراء، وكان يوسف بن تاشفين قد استفحل أمره أيضًافي بالمغرب واستولى على أكثر بلاده، فلما سمع الأمير أبو بكر بن عمر بما آل إليه أمر يوسف بن تاشفين وما منحه الله من النصر أقبل من الصحراء ليختبر أمره، ويقال إنه كان مضمرًا لعزله وتولية غيره، فأحس يوسف بذلك فشاور زوجته زينب بنت إسحق... فقالت له: "إن ابن عمك متورع عن سفك الدماء فإذا لقيته فاترك ما كان يعهده منك من الأدب والتواضع معه، وأظهر أثر الترفع والاستبداد حتى كأنك مساوٍ له، ثم لاطفه مع ذلك بالهدايا من الأموال والخلع وسائر طرف المغرب، واستكثر من ذلك فإنه بأرض صحراء وكل ما جلب إليه من هنا فهو مستطرف لديه"
فلما قرب أبو بكر بن عمر من أعمال المغرب خرج إليه يوسف بن تاشفين فلقيه على بعد وسلم وهو راكب سلامًا مختصرًا، ولم ينزل له ولا تأدب معه الأدب المعتاد، فنظر أبو بكر إلى كثرة جيوشه، فقال له "يا يوسف ما تصنع بهذه الجيوش؟! قال: "أستعين بها على مَن خالفني"، فارتاب أبو بكر به، ثم نظر إلى ألف بعير قد أقبلت موقرة، فقال: "ما هذه الإبل الموقرة؟"، قال"أيها الأمير إني قد جئتك بكل ما معي من مال وأثاث وطعام وإدام لتستعين به على بلاد الصحراء"، فازداد أبو بكر تعرّفًا من حاله وعلم أنه لا يتخلى له عن الأمر، فقال له يا ابن عم: "انزل أوصيك"، فنزلا معًا وجلسا، فقال أبو بكر: "إني قد وليتك هذا الأمر وإني مسؤول عنه، فاتقِ الله في المسلمين وأعتقني وأعتق نفسك من النار ولا تضيع من أمور رعيتك شيئًا فإنك مسؤول عنه. والله يصلحك ويمدك ويوفقك للعمل الصالح والعدل في رعيتك وهو خليفتي عليك وعليهم"، ثم ودعه وانصرف إلى الصحراء فأقام بها مواظبًا على الجهاد في كفار السودان، إلى أن استُشهد"