بغداد - نجلاء الطائي
فاز العراقي هشام الذهبي بجائزة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم "صنّاع الأمل" مع 5 مشاركين آخرين، وقدّم الشيخ محمد نائب رئيس دولة الإمارات حاكم دبي، مكافأة مالية بقيمة مليون درهم لكل واحد منهم، لتبلغ قيمة جائزة "صنّاع الأمل " 5 ملايين درهم، وهي بذلك تكون جائزة العطاء الأكبر من نوعها في العالم.
وجاء ذلك خلال الحفل الذي أقيم في "مدينة دبي للاستديو هات" لتكريم صنّاع الأمل وتتويج الفائز الأول على مستوى الوطن العربي من بين أكثر من 65 ألف “صانع أمل" تقدموا للمشاركة في المبادرة الأكبر من نوعها عربيًا لتكريم أصحاب العطاء في الوطن العربي.
وعمل الناشط هشام الذهبي على إيواء عشرات الأطفال المشرَّدين في العاصمة بغداد، رغم الإمكانات المحدودة وقلّة الدعم المقدّم من المنظمات المعنية والحكومة العراقية، وقام الذهبي منذ العام 2006، ببناء بيت للأطفال المشرَّدين، فضلًا عن توفير دورات لتنمية المهارات الذاتية، حتى تمكن بعض المشرَّدين من الزواج بعد ذلك.
وتشير بعض التقارير إلى وجود أكثر من مليون يتيم عراقي، بينما تقدّر الحكومة العراقية أن نحو 500 ألف طفل يهيمون على وجوههم في الشوارع دون رعاية من بيت أو أُسرة، ورغم العدد الهائل للأيتام بخاصة بعد الحرب ضد تنظيم "داعش"، إلا أن الحكومة العراقية لم تقدّم الكثير لهم سوى بعض المساعدات أو الإعانات غير المنتظمة.
وتداول النشطاء علي مواقع التواصل الاجتماعي صورًا لشاب عراقي يدعى "هشام الذهبي"، 25 عامًا، لإيوائه في بيته 33 يتيمًا، معاهدًا نفسه أن يرعاهم حتى يكبروا ويواجهوا الحياة بأنفسهم، هشام يشارك الأطفال أحزانهم وأفراحهم ليعوضهم عن حنان الأب والأم الذي فقدوه نتيجة سنوات عنف حصدت مئات آلاف العراقيين.
الشاب النبيل الخلق الذي لا يخلد إلى النوم إلا بعدما يتأكد من أن جميع الأيتام بخير، ويقص لهم قصصًا جميلة، راويًا لهم ما حدث معه في نهاره، ويقوّي شخصيتهم بحكم جميلة وسرد مواقف رائعة من صميم الحياة، وكتب العديد من المتابعين يقولون إن هشام يوفر لجميع الأيتام ما يلزمهم في حياتهم اليومية، ويضحي بجُلِّ وقته لأجلهم.
وذكر الذهبي إنه يعمل مع الأطفال المشردين والأيتام منذ 11 عامًا، ويضيف: "أغلب الأطفال يعانون من أمراض نفسية كثيرة أبرزها الاكتئاب والتوحد، بسبب الحروب والأوضاع الأمنية المتردية التي عاشها ويعيشها العراق"، وأوضح أنه وضع برنامج علاج نفسي، يعتمد على اكتشاف مواهب هؤلاء الأيتام وتنميتها.
وهشام الذهبي حائز شهادة الماجستير في علم النفس من الجامعة المستنصرية، وكان يعمل باحثًا نفسيًا من عام 2004 إلى عام 2007 في "منظمة حماية أطفال كردستان" التي كانت قد فتحت لها فرعًا في بغداد عقب الإطاحة بالنظام السابق عام 2003، وإبّان الأحداث الطائفية عام 2007 قُتل أحد الباحثين الاجتماعيين التابعين لهذه المنظمة، فقررت الأخيرة إغلاق المشروع وتسليم الأطفال اليتامى إلى الدولة، لكن هاشم الذهبي قرر أخذ المهمة على عاتقه، ووقّع أمام المنظمة على محضر تسلُّم الطفولة اليتيمة.
واختار هشام مبنى في شارع فلسطين منزلًا له، وأنشأ فيه "جمعية الود للرعاية النفسية الأسرية"، وبدأ أقارب هؤلاء الأيتام يأتون بهم إلى الجمعية، ويقول هشام عن إجراءات رعايته للأطفال الجدد: "نعرض القادمَ على الفحص الطبي للتأكد من سلامته من الأمراض المعدية خوفًا على أقرانه الذين سبقوه إلى الجمعية، ثم يجري الباحث الاجتماعي معه سلسلة جلسات قبيل إطلاقه للاختلاط بالآخرين بغية التأكد من حالته السلوكية والتعرف على رغباته وهواياته، وبعدها يقدم الباحث تقريرًا مفصلًا إلى الجمعية، ثم نبدأ مرحلة تدريبه على النشاطات المتناسبة مع رغباته.
ويتابع الذهبي: " من أهم الأنشطة الحاسوب والخياطة والحلاقة والطبخ والفنون التشكيلية والأعمال اليدوية والموسيقى، ولكل من هذه النشاطات ورشات عمل بسيطة تتناسب مع إمكانات الجمعية المادية التي نحصل عليها من التبرعات، وهي عبارة عن غرف تابعة لمبنى الجمعية"، المنزل أو الجمعية التي يديرها الذهبي يتحرك فيها اليتامى بحيوية، ويمارسون فيها الأنشطة الممتعة، ويشاهدون مختلف أنواع الاعمال الفنية من أفلام ومسرحيات ومسلسلات على أقراص مدمجة لأجهزة كمبيوتر داخل المنزل.
وتوجد في المنزل غرفة خاصة بتعلم الخياطة، معلقة على جدرانها قمصان خاطها الأطفال بأنفسهم، وثانية هي مطبخ لتعليم فن الطبخ، وثالثة للرسم، وهناك غرفة مخصصة لأجهزة الحاسوب، وتوجد لوحات على جدار المبنى من الداخل، تعرض أنشطة اليتامى في إطار فريق أطلقت عليه الجمعية اسم "فريق أصدقاء البيئة"، ويقوم هؤلاء الأطفال والصبيان بعمليات تنظيف للحدائق والشوارع خلال رحلات تنظمها الجمعية لهم في بغداد والمحافظات الأخرى، وهم يرتدون ما يسمونه بـ "الصدريات"، وقد كتب عليها "فريق أصدقاء البيئة".
واتخذ الذهبي شعارًا لجمعيته "لا تذرف دمعة، بل امنحني فكرة"، بغية تطوير الجمعية بالأفكار الخاصة برعاية اليتيم، وإعداده، وتأهيله، ليكون عنصرًا فاعلًا في المجتمع من دون إحساس بالغبن والتهميش، علمًا أن المخرج السينمائي العراقي المعروف محمد الدراجي قد رصد عن كثب الجهود التي يبذلها هشام الذهبي في انتشال اليتامى من ليلهم المعتم، فأخرج فيلمًا خاصًا بعنوان "في أحضان أمي"، يؤرخ سيرة الذهبي مع هذا المشروع منذ عام 2008 إلى 2010، وقد حصد 18 جائزة من أميركا وأستراليا وإيطاليا وكوبا وبلدان أخرى.
وقال الذهبي في معرض حديثه عن الفيلم: "إحدى مخرجات السينما الأميركيات كانت قد شاهدت الفيلم في بلادها فقامت بزيارة إلى العراق عام 2012، وطلبت فور وصولها إلى مطار بغداد التوجه إلى جمعيتنا، والتقتنا هنا في هذا المكان، وأعربت عن استعدادها للتعاون معنا في مجال إنتاج الأفلام السينمائية، التي نطمح إلى أن يكون بعض الموهوبين من هؤلاء الأيتام ممثلين فيها أو منتجين لها".
وأردف الذهبي قائلًا: "كل طفل يتميز بموهبة معينة أحاول أن أنميها من خلال إدخالهم في دورات تدريبية في الرسم والنحت والتمثيل السينمائي على أيدي متخصصين في تلك المجالات ، وقد حصل أطفالي على 27 جائزة عالمية في السينما، من خلال أفلامنا التي تم إنتاجها بالتعاون مع المركز العراقي للفيلم المستقل".