طرابلس - العرب اليوم
صاحب وصلات التواشيح والأغنيات التراثية التي قدّمها المطرب المصري أحمد إبراهيم وفرقته في حفلة في بنغازي، تصفيقًا حارًا من الجمهور، ودوي القصف المكثف لآخر معقلين في المدينة لتنظيمي "داعش" و "القاعدة"، على بعد كيلومترين من "مسرح تنمية الطفل" في منتزه المدينة التي تستضيف مهرجانًا ثقافيًا تنظمه مؤسسة "الأهرام"، وفُتح ضمن فعاليات المهرجان معرض لوحات لرواد مصريين، من بينها لوحة محمود سعيد "ذات العيون العسلية"، الرفيعة فنيًا والثمينة ماديًا، لكن مدير إدارة المقتنيات في "الأهرام" أماني زهران قالت، إن اللوحات المعروضة هي "مستنسخات عالية الجودة"، وليست النسخ الأصلية التي لم يمكن نقلها بسبب الأوضاع الأمنية غير المضمونة في بنغازي.
وضم المعرض لوحات لفنانين ليبيين سيطرت عليها التجربة القاسية التي عاشتها مدينتهم في قبضة التطرف. ورسم عمر مختار لوحة عن العنف والفساد، في دلالة على خطرهما الداهم على أي مجتمع، ومن بين لوحاته "كاميرا محطمة"، في إشارة إلى قمع الصحافيين والعصف بالحق في المعرفة، ولوحة أخرى يظهر فيها عنص من تنظيم "داعش" يبتسم وهو يمسك كاميرا على هيئة مدفع رشاش، ويهم بقتل صبي بائس يرفع لافتة كُتب عليها "كافر" فيما تنطلق رصاصات من "عدسة الكاميرا". ولمختار لوحات تشير إلى فساد مالي، إذ رسم المصرف المركزي الليبي على هيئة إناء يكاد يفرغ حليبه، والجمهور العريض يتزاحم أمامه، فيما "الفاسد" يتوارى خلف سور ببزة ورابطة عنق منمقتين، ويسحب خلسة الحليب.
لكن المصور فرج بن كاطو خالف الفنانين الليبيين في تركيزهم على التطرف والفساد، وعرض ضمن جناح بلاده صورًا لمناطق أثرية وحرف تراثية ليبية، وقال "أملك مئات الصور الحصرية لآثار الدمار في مدينة بنغازي منها صور صادمة لمقابر جماعية كُشفت أخيرًا، لكن لم أعرض أي منها، وأردت أن أشارك بشيء مختلف يبعث على الأمل"، مضيفًا: "الليبيون ملوا العنف، هم عاشوه واقعًا، وليسوا في حاجة لتصويره".
وضمّ المهرجان معرضًا للكتب حوى نحو 5500 عنوان، بإجمالي أكثر من 30 ألف كتاب، وفق رئيس المهرجان الصحافي أحمد عامر، وسيطرت الكتب الدينية على الجانب الأكبر في المعرض، لكن عُرضت كتب علمية وسياسية وأخرى تناولت ظاهرة التطرف وتفنيد فكر "القاعدة" و "الإخوان"، وكتب عن تجارب شخصية تصدت لهم بشجاعة بينها كتاب "أنا ملالا"، الصبية الباكستانية التي تحدت "طالبان" وأصرت على إكمال تعليمها فتلقت رصاصة في رأسها كادت تُودي بحياتها، لكنها تعافت بعد علاج في أميركا وتحولت قبل أن تتم عقدها الثاني، رمزًا عالميًا للنضال السلمي.
ومعرضا الكتاب والفنون والحفلة الغنائية أظهرا اشتياق السكان في بنغازي لمشهد جديد غير الذي اعتادوه، فتوافدت الأسر فرحة، وجال أفرادها بين الأروقة بشغف، لاقتناص فرصة لشراء كتاب أو التصوير إلى جوار لوحة، ولوحظ تركيز الليبيين على شراء كتب وقصص الأطفال، وكأن الآباء يريدون أن يُنيروا عقول أطفالهم بعد ظلام دامس عاشوه مع حكم الجماعات المتطرفة مدينتهم، وتلك العائلات لم تُظهر أي اهتمام بالقصف الجوي والمدفعي لمعاقل تنظيمي "داعش" و "القاعدة" في منطقتي "الصابري" و "سوق الحوت" في وسط بنغازي لجهة الشمال على بعد كيلومترين من مقر إقامة المهرجان، حتى أن دوي القذائف هز أكثر من مرة أرجاء المكان، وشوهدت بوضوح سحابات الدخان الأسود الكثيف في سماء المنطقة جراء القصف، وبابتسامات هادئة طمأن الليبيون المصريين الحاضرين الذين أظهر بعضهم قلقًا بالغًا مع اشتداد حدة القصف وارتفاع دوي القذائف.
وقالت وكيل كلية الحقوق في جامعة بنغازي جازية شعيتر، إن معركة "الصابري" لم تنته إلى الآن لأن الجيش لا يريد تدمير الحي، الذي يضم "المدينة القديمة"، ويعتبر من أبرز المواقع الأثرية الليبية، وفيه الكم الأكبر من آثارنا، لذا يتقدم الجيش على هذا المحور بحذر للحفاظ على هذا التراث الإنساني، ما أطال أمد المعركة.