مكتبة الملك فهد الوطنية بالرياض

شكلت المخطوطات ثروة فكرية ومعرفية، رصدت حياة البشر في المجتمعات المختلفة منذ أن عرف الإنسان الكتابة، كما تعد سجلاً صادقاً لتراث الشعوب وعاداتهم ونشاطاتهم وثقافاتهم ومراحل تطورهم والمتغيرات التي طرأت على حياتها. وتسابقت الدول في تسجيل وحفظ المخطوطات التي تضمها المكتبات الرسمية والخاصة، وأقرت مشاريع لحماية التراث الثقافي الإنساني المخطوط.

وفي هذا الصدد، تعد مكتبة الملك فهد الوطنية بالرياض من المكتبات التي حرصت على اقتناء المخطوطات، معطية الأولوية للنادرة والثمينة منها، حيث تقتني المكتبة نحو 80 ألف مخطوطة، منها 6 آلاف أصلية، و74 ألف مخطوطة مصورة. وأنشأت المكتبة إدارة للمخطوطات والنوادر مبتدئة باستقبال المخطوطات المعروضة للبيع، إضافة إلى الكثير من الإهداءات المتميزة من المكتبات الخاصة والأفراد، وتنوعت محتويات هذه المخطوطات بين موضوعات دينية وسياسية واقتصادية وغيرها. كما اقتنت المكتبة الكثير من المخطوطات غير العربية، وأبرزها الفارسية والعبرية، وجلّ هذه المخطوطات كُتب على الورق المعتاد، والقليل والنادر منها كُتب على ورق البردي والرِق والجلود. وحصلت المكتبة على مخطوطات فيلمية ومصورة ومايكروفيلمية، كما تقتني المكتبة مصورات المخطوطات في المكتبات العالمية، وخصوصاً تلك التي لها علاقة بالشأن المحلي.

وقال محمد بن عبد العزيز الراشد، أمين عام مكتبة الملك فهد الوطنية، بأن المكتبة أصبحت صرحاً معرفياً وثقافياً ووعاءً لاقتناء الإنتاج الفكري وتنظيمه وضبطه وتوثيقه والتعريف به ونشره في السعودية. وقد أولى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، رعاية خاصة لهذه المكتبة منذ ولادتها كمكتبة عامة في عام 1983 إلى أن تحولت إلى مكتبة وطنية تضاهي المكتبات العالمية.
وأوضح الراشد، أن مكتبة الملك فهد الوطنية تمتلك الكثير من مصادر المعلومات المختلفة والمهمة من تراث المملكة، بحكم أنها مسؤولة عن حفظ التراث الوطني السعودي، ومن هذه المصادر الكتب السعودية والرسائل الجامعية، والدوريات ومركز معلومات المملكة العربية السعودية الذي يحتوي على أكثر من 70 ألف صورة تترجم تاريخ المملكة وتراثها. ومن أهم محتويات المكتبة أيضاً كنوزها من التراث المخطوط، حيث صدر نظام حماية التراث المخطوط في السعودية قبل أكثر من 30 عاماً، وأنيط للمكتبة تطبيقه، وبدأت معه المكتبة بتصوير أكثر 73 ألف مخطوطة من المكتبات ومراكز الأبحاث بغرض حفظها.

تمتلك المكتبة أكثر من 6 آلاف مخطوطة أصلية نادرة، ومنها وعلى سبيل المثال مخطوطة «زاد المعاد» لابن القيم بخط سليمان بن عبد الله ابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب، كتبت سنة 1220هـ بخط النسخ ومجموعات من المخطوطات المحلية تحتوي على رسائل وفتاوى أئمة الدعوة في نجد. وقد أسهم أسلوب الشراء في تنمية مجموعة المخطوطات المعروضة، ومن بينها مصحف كوفي كتب على الرّق، يعود إلى القرن الثالث الهجري، ومصحف صفوي تام، ومصحف مملوكي وآخر أندلسي. ومن المخطوطات النادرة، تمتلك المكتبة أجزاء من صحيح البخاري كتبت على الرّق سنة 570هـ في الأندلس، كما تحتفظ المكتبة بثلاث مخطوطات كتبت على ورق البردي، إحداها تعود إلى القرن الثالث الهجري.

وقد حصلت المكتبة في جانب المخطوطات المصورة على مصورات ميكروفيلمية لأحد أهم المجموعات العربية المخطوطة في المكتبات الأميركية، وهي مكتبة جامعة بيرنستون، كما تقتني المكتبة مصورات المخطوطات المحفوظة في مكتبة الجامعة اليهودية، وجاءت على شرائح فيلمية ويبلغ عدد مخطوطات هذه المكتبة 1140 مخطوطاً

. كما انتقلت مخطوطات مكتبة الرياض السعودية «دار الإفتاء» إلى مكتبة الملك فهد بناءً على توجيهات الملك سلمان بن عبد العزيز، عندما كان أميراً لمنطقة الرياض ومشرفاً عاماً على المكتبة، ويبلغ عددها 792 مخطوطاً.

ولفت أمين عام مكتبة الملك فهد الوطنية إلى أن جزءاً كبيراً من هذه المخطوطات اتسم بالصبغة المحلية سواء بالتمليكات المختلفة أو الوقفيات، أو بنساخها المحليين، أو بالتعليقات التي يكتبها علماء محليون على هوامشها، ومثل هذه السمات تعطي صورة صادقة وواضحة عن الحركة العلمية والفكرية النشطة خلال القرون الماضية. ومنها تبرز نسخ نفيسة من كتاب «الأسماء والصفات» للبيهقي كتبت سنة 585هـ، ونسخ من كتاب «التحقيق في أحاديث التعليق» لابن الجوزي تعود للقرن السابع الهجري، وكتاب الأحكام السلطانية للمارودي كتب سنة 682هـ، ونسخة من «الموطأ» لمحمد بن الحسن. ومن المخطوطات المتميزة جزء من «كتاب الإنصاف» بخط المصنف المرداوي، ومن «الكوكب الساري» مقدمة فتحي الباري لابن حجر. وأشار إلى بعض من المخطوطات التي كتبت عن طريق النساخ المحليين، منها ما يتعلق بإعارة الكتب التي لم تكن مقتصرة بين الرجال منها.

وذكر الراشد بأن هناك جانباً آخر مهماً في مجموعة المخطوطات التي تقتنيها المكتبة، وهي وقفيات أمراء آل سعود وغيرهم على الكتب، ذاكراً في هذا الصدد وقفيات للأئمة: تركي بن عبد الله، وفيصل بن تركي، وعبد الله بن فيصل، ومحمد بن فيصل، وعبد الرحمن بن فيصل، كما وجدت وقفيات كثيرة للملك عبد العزيز، وشاركت النساء في هذه الوقفيات مثل وقفيات للجوهرة بنت تركي بن عبد الله، ولسارة بنت تركي بن عبد الله، ولمنيرة بنت مشاري، ولنورة بنت الإمام فيصل، وللجوهرة بنت الإمام فيصل، وغيرهن. ولفت الأمين العام لمكتبة الملك فهد الوطنية إلى نموذج متميز في هذه المخطوطات يتعلق بحركة تداول الكتب وإعارتها بين العلماء.

كما تملك المكتبة مخطوطات لمصاحف كتبت بخط قديم، ونوادر من نسخ متميزة، مثل ديوان الأحنف العكبري، ونسخة من «أحكام الأحكام» لابن دقيق العيد كتبت 797هـ، و«يتيمة الدهر» للثعالبي نسخة جميلة كتب بخط أندلسي تعود للقرن العاشر، ونسخة من «الاستقصاء والإبرام في علاج الجراحات والأورام» لمحمد بن علي بن فرج الفهري المتوفى عام 722هـ.

وأشار الراشد إلى أنه تم تخصيص قاعة خاصة بالمخطوطات، خاضعة لنظام يحافظ على سلامة المخطوطات من الآفات. كما يوجد لدى المكتبة مركز للترميم والتعقيم يعد واحداً من أفضل مراكز الترميم في المنطقة. وبحسب نظام حماية التراث المخطوط لا يحق لأي مواطن إخراج أي مخطوطة يمتلكها خارج المملكة بغرض بيعها أو لأي سبب آخر إلا بعد عرضها على المكتبة لتصويرها وتسجيلها، حيث تقوم المكتبة بتقييمها وعرضها على المهتمين باقتنائها من المكتبات ومراكز البحوث في المملكة، وفي حال عدم رغبتهم في اقتنائها يعطى الإذن لإخراجها.
وفي مجال إتاحة المخطوطات للدارسين والباحثين، أشار الراشد إلى أن المكتبة وضعت فهارس أولية للمخطوطات تمكن المستفيدين من الاطلاع على عناوين المخطوطات الموجودة في المكتبة، كما أعدت أماكن خاصة مزودة بأجهزة المايكروفيلم والمايكروفيش، وتوفير خدمة تصوير المخطوطات للباحثين.

- حاضنة الإنتاج المعرفي والفكري السعودي

> تعد مكتبة الملك فهد الوطنية الوعاء الحاضن لكل إنتاج معرفي وفكري وثقافي سعودي. وهي التي تقوم على تطبيق نظام الإيداع الوطني لأي إنتاج فكري سعودي.

والمكتبة تعمل بشكل مستمر على خدمة الباحثين والباحثات، وتسهيل الحصول على المعلومة والوعاء المعرفي المطلوب وتوفر خدماتها على مدار 24 ساعة. فقد قامت بتوفير مجموعة من الخدمات الإلكترونية التي وصل عددها إلى ما يقارب 14 خدمة مكتبية إلكترونية، جميعها متاحة للمستفيدين والمستفيدات عبر بوابتها الإلكترونية. وأولت المكتبة اهتماماً خاصاً بالمخطوطات التي تقتنيها وعملت على تيسير اطلاع الباحثين والباحثات عليها عبر إنشاء خدمة «طلب مخطوطة» الإلكترونية التي تتيح للباحثين إمكانية طلب مخطوطة محددة أو كتاب نادر للقراءة، أو التصوير لأغراض بحثية. والخدمة متاحة لجميع أفراد المجتمع من داخل السعودية وخارجها. ويتطلب من الباحث للاستفادة من الخدمة تسجيل الدخول للبوابة الإلكترونية وتعبئة النموذج الإلكتروني، ومن ثم تقوم إدارة المخطوطات بتسلم الطلب ومعالجته وإرسال المخطوطة المطلوبة عبر البريد الإلكتروني الخاص بالمستفيد.

كما قامت المكتبة بتوفير عدد من الخدمات المعلوماتية التي من خلالها يستطيع الباحث أو الباحثة الحصول على معلومات عن المخطوطات المتوفرة في المكتبة، وذلك من خلال الخدمات التي يوفرها مشروع «المكتبة الرقمية لمكتبة الملك فهد الوطنية»، وهو أحد المشاريع التي أطلقتها المكتبة مؤخراً، ويهدف إلى إتاحة خدمة تصفح محتويات أوعية معلومات المكتبة المختلفة التي تم رقمنتها، ويقوم المستفيد بذلك من خلال أجهزة الحاسب الآلي الشخصية. وضمن المشروع تتيح المكتبة الرقمية حصول المستفيد على المعلومات الوصفية الشاملة للمخطوطة. وتعمل المكتبة حالياً على استكمال الرقمنة الوصفية لكامل المخطوطات التي تقتنيها.

 قد يهمك أيضا: 

"اليونسكو" تقرّر إدراج فن "الأراجوز" على قوائم التراث الثقافي العالمي غير المادي

مصر مرشحة للفوز بجائزة حفظ التراث الثقافي في المنطقة العربية