الخرطوم - محمد إبراهيم
علي طول شارع النيل، وبعد ان تتواري الشمس بحياء في سحائب الأصيل، ويكتسي المكان بلون الشفق، حيث تبدأ الطيور رحلة العودة إلى أوكارها الصغيرة في الوقت الذي تبدأ فيه رحلة الأسر والأصدقاء والجمعيات والروابط والعاشقين إلى شارع النيل من قبالة وزارة الصحة وإلى كبري "كوبر" مرورًا بجامعة الخرطوم وكبري القوات المسلحة الذي يصل بحري بالخرطوم، وتمتد اللوحة الجمالية بعد توسعة شارع النيل حتي كبري المنشية، حيث يصطف السمار مجموعات وثنائيات معلنين عن متنفس ورئة ثالثة للخرطوم.
ويشهد شارع النيل حراكاً غير مسبوقاً في شهر رمضان ويتحول إلى ساحة للتجمعات العفوية للإفطار الرمضاني وقبيل آذان المغرب يتوافد الناس أفرادًا وجماعات على إمتداد شارع النيل يحملون ما لذ وطاب من مأكولات ومشروبات للإفطار في الساحات الخضراء في حضرة النيل الخالد، وأغلب الذين يتوافدون إلى الإفطار على إمتداد شارع النيل من الأسر والأصدقاء والروابط والطلاب، ودفعات الخريجين من الجامعات حيث يشكلون لوحة نابضة بالحياة تعكس سامحة وقيم الشعب السوداني الذي ينبذ الإفطار في رمضان داخل أسوار البيوت ويفضل التجمعات في الشوارع والساحات حيث العابرين.
وعندما يأتي المساء تضج الحياة في شارع النيل حيث تتجمع الأسر لتخرج عن المألوف لتجد متنفساً وهواءً عليلاً بعد ان يفترشوا النجيل الأخضر ويتحول "شاي" المغربية الى نزهة بالقرب من النيل الخالد، بجانب الجمعيات والروابط التي تجد ملاذاً آمناً يحوي أنشطتها وبرامجها، ولا تخطئ العين جلسات الإنس والطرب "فالعود" سيد الموقف فيتحلق الجميع بالقرب من الفنان وفي الغالب يلتئم الشمل دون سابق معرفة تجمعهم أوتار العود وجلسة الإستماع، وايضاً يشكل "العرسان" حضوراً بهياً يجمل المكان، اقتربنا من العرسان موسي محمد توم وتهاني الأمام، لنسألهم عن إختيارهم للمكان، فكان رد العريس ان شارع النيل من اجمل الأماكن في الخرطوم خاصة في المساء حيث الخضرة والهواء الطبيعي، إضافة الى ان شارع النيل تربطني به ذكريات جميلة منذ ان كنت طالباً في جامعة الخرطوم كلية الآداب، فاخترت شارع النيل لأكون قريباً من الجامعة.
وأصبح شارع النيل مصدرًا للرزق يتكسب منه البعض خاصة في الأمسيات وذلك بإيجار المقاعد والكراسي والفرشات ، ونجد القهوة "الجبنة" الشرقاوية حاضرة وبائعي القهوة بزيهم المميز وهم يمشطون شارع النيل يحملون "صينية" يتوقد فيها الجمر تعتليه أواني القهوة الصغيرة التي لا تستطيع ان تحمل في جوفها اكثر من ثلاثة (فناجين) فضلا عن بائعات الشاي وهن يفرشن النجيل الأخضر بالمفارش البلاستكية بجانب مقاعد صغيرة مبعثرة هنا وهناك بالقرب من بائعات الشاي، بجانب الفول السوداني "المدمس" والمسلوق وعيش الريف والتسالي الذي يجد سوقاً رائجة بين السمار, وبعد الخضرة والإضاءة اصبح شارع النيل منافسا قويا لكبري شمبات الذي تعود العابرين على جسره مشاهد الراجلين من النساء والرجال وهم يمارسون رياضة المشي اما بدافع الرياضة أو لتخفيف الوزن.