فاس ـ حميد بنعبد الله
فازت البعثة المغربية الفرنسية العاملة على موقع "إيكيليز"، أحد المواقع التاريخية الكبيرة التي ترجع إلى الفترة الإسلامية؛ بجائزة "الأبحاث الأثرية الفرنسية في الخارج" للعام الجاري التي يمنحها معهد "فرنسا" ومؤسسة "سيمون وتشينو ديل دوكا"، وتخصص من أكاديمية "النقائش والآداب الجميلة" في باريس.
وتسمح الجائزة الممنوحة من المؤسسة، للبعثة الأثرية ببدء أعمال المحافظة والصيانة ورد الاعتبار للآثار المتبقية في موقع جبل إيكيليز بالأطلس الصغير الذي يقع في منطقة هامشية جدًا جغرافيًا؛ إلا أنها بقيت مرتبطة ارتباطا وثيقا بالتاريخ السياسي والديني للمغرب.
كما تمكن فريق البحث من الاستمرار في درس العلاقة بين الموقع الأثري وبيئته، لا سيما أنّ الموقع باعتباره مركزًا رئيسًا للزهد والتعبد والرباط، أدى إلى ظهور حركة دينية واسعة عند مطلع القرن السادس الهجري تزعمها ابن تومرت، أحد أبناء المنطقة التي تمثلت فيما يعرف بـ"الإصلاح الموحدي".
وتفتخر البعثة بالثقة التي حظيت بها من مديرية التراث الثقافي التابعة لوزارة الثقافة للمملكة المغربية التي أخذت على عاتقها، بتعاون وشراكة مع الجماعة المحلية لتغمرت؛ بناء دار للآثار قبالة الموقع الأثري، مضيفة بذلك لبنة إلى هذا المشروع الطموح الذي يجمع بين البحث والحفاظ والتنمية المستدامة.
ويأتي تتويج البعثة بهذه الجائزة السنوية المهمة، في إطار تعاون دولي، تتويجًا لعقد من الأبحاث التي خصصتها لاكتشاف الموقع المتميز بأهمية كبرى بالنسبة إلى المغرب الوسيط والغرب الإسلامي، وتقديرًا من الجهة المانحة للنتائج العلمية المحصل عليها والانخراط المنهجي لفريق البحث في الميدان.
وانطلقت الحفريات الأثرية بالموقع المذكور في العام 2009، بعد خمسة أعوام من اكتشافه، تحت إشراف أحمد صالح الطاهري من المعهد "الوطني لعلوم الآثار والتراث" في الرباط، وعبد الله فلي من جامعة شعيب الدكالي في الجديدة وجان بيير فان ستايفل من جامعة "السوربون" في باريس.
وأنجزت الأبحاث بدعم من المعهد "الوطني لعلوم الآثار والتراث" وجامعة "شعيب الدكالي" ومؤسسة "كاسا دي فلاثكيث" في مدريد ووزارة "الخارجية والتعاون" وقطب جامعات "السوربون" ووحدات البحث المختلطة في باريس وليون ومختبر "لابيكس ريسميد" ومركز "جاك بيرك" للعلوم الإنسانية والاجتماعية.
وسطرت البعثة الأثرية بشراكة مع المركز الوطني للبحث العلمي الفرنسي، ممثلًا بوحدة البحث المختلطة 7209 في باريس والمتحف الوطني للتاريخ الطبيعي، فضلًا علميًا طموحًا يركز على استغلال الموارد الطبيعية من سكان الموقع خلال الفترة الوسيطية، وبالنظر إلى البقايا الأثرية للموقع، خصوصًا تلك التي تعود إلى العصر الوسيط، فإن "إيكيليز" يشكل موقعًا مثاليًا لتتبع الحياة اليومية، ليس فقط لمجتمع مكون من الفلاحين والعباد والمحاربين بالمناطق الجبلية؛ ولكن لدرس مسلسل تشكل القوى وعملية التثاقف الديني في المناطق ما قبل الصحراوية للمغرب.