الرياض – العرب اليوم
أكد مجلس الوزراء برئاسة نائب خادم الحرمين الشريفين الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز آل سعود على الدور الرائد لـ"سوق عكاظ" في دورته التاسعة, وذلك من خلال المحافظة على الثقافة والتراث والإبداع عبر مختلف فعالياته التي لازالت تواصل جهودها في "جادة سوق عكاظ", تحت إشراف الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني.
وذلك من خلال الدعم الفني والمالي التي توفره الهيئة لصالح أعمال الجادة وفعالياتها التي تتنوع بين استعراض لمسيرات القوافل العربية إلى السوق قديمًا، وأيضًا تقدم مشاهد حية تجسد السوق في العصر الجاهلي وصدر الإسلام، إضافة إلى مبارزات كلامية بين فرسان الكلمة شعراء المعلقات، وكذا العرض المسرحي المفتوح "نقش من هوازن"، وتكتسب هذه الفعاليات التي تقدمها الجادة حفاوة غير مسبوقة من جمهور السوق، انعكست في الإقبال الجماهيري المتزايد.
ويشاهد زوار الجادة فعالية "مسيرة القوافل" والتي تضم أكثر من 200 من الممثلين والكومبارس بأزيائهم التي تعود بهم إلى حقبة ما قبل الإسلام في الجزيرة العربية، ويجسدون مسيرة القوافل العربية في تلك الفترة ووفودها إلى سوق عكاظ، ومع نسمات صيف الطائف، وإقبال مئات العوائل على التعرف على فعاليات سوق عكاظ يوميًا، يتوقف الزمن بزوار جادة السوق، ويعود بهم إلى الوراء طويلاً، إلى زمن امرؤ القيس، طرفة بن العبد، الحارث بن حلزة، زهير بن ابي سلمى، عمرو بن كلثوم، عنترة بن شداد، لبيد بن ربيعة، الأعشى، عبيد بن الأبرص، النابغة الذبياني، فرسان المعلقات، وأشهر شعراء العرب.
وتبدأ المسيرة من بداية الجادة إلى نهايتها والممثلون يلبسون الزي الخاص بالعمل ويحملون الدروع والسيوف والرماح، وتسير خلفهم الجمال والخيول، مع موسيقى تعطي إيحاء الماضي في ميدان الجادة، بينما يقف على بعد خطوات منهم الجمهور وزوار الجادة يشاهدون كيف كانت حياة القبائل في الجزيرة العربية في تلك الحقبة التي تسبق ظهور الإسلام.. لتجسد الفعالية التقاء عصرين بينهما أكثر من 1500 عام، عصر يجسد، وعصر يشاهد مسرح الشارع.
أما الفعالية الثانية، والتي تستأثر أيضًا باهتمام كبير من الجمهور فهي الأداء التمثيلي لـلحياة في (سوق عكاظ) القديم، حيث يقدم فريق العمل عرضًا مكون من 6 مشاهد تمثيلية لتوافد قوافل التجارة على سوق عكاظ من الشام واليمن وما تضمه من بضائع متنوعة، فضلًا عن ما يشهده السوق من مبارزات حامية بين فرسان ذلك العصر، فيرصد المشهد الأول قدوم قافلة من الشام تحمل الكثير من البضائع يتقدمها شيخ تجار الشام أبي الوليد، وحركة باعة التمور والتوابل، وباعة العطور والحرير، وكذا باعة السيوف والرماح والدروع وغيرها، وكل ينادي على بضاعته، بينما باعة الشام يقدمون القمح والزيتون والأواني النحاسية، والسيوف الدمشقية وغيرها.
ويتابع الحضور في المشهد الثاني ظهور رجل حكيم، كبير بالسن، يبدو مهيبًا بزيه العربي الأصيل، شامخًا وهو يعتلي صهوة جواده الأصيل، ويترجل عند مدخل السوق ويتذكر أمجاد وذكريات سوق عكاظ، مرددًا في نفسه: "لا زلت تنتظر روادك القادمين من كل حدب وصوب يحملون إليك خيرات بلادهم".. ويتفقد الحكيم مختلف بضائع السوق، بينما يرصد المشهد الثالث وصول قافلة جديدة أتت من اليمن، محملة بالجلود المدبوغة والملونة والمزركشة وبجانبها عطور وبخور تنعش القلب، إضافة إلى سيوف يمانية مهيبة، والرجل الحكيم يواصل سيره بين دكاكين السوق.
ويرصد المشهد الرابع ساحة نزال حامية على قرع الطبول وأصوات المشجعين، والناس يتجمهرون لمتابعة نزال جديد بين مصارعين أحدهما تبدو عليه ملامح التكبر والعظمة و آخر يضع لثامًا على وجهه، ويصف الحكم الأول بأنه: "السموأل" صاحب السواعد القوية والقبضة الحديدية، قوي كالهرماس، سريع كالغزال، ينقض على خصمه كالنسر، ينساب كالأفعوان ويلذغ كالعقرب. ويصف الملثم بأنه: يلاحق السموأل بعيون كعيون الصقر ويراوغه مراوغة الذئب.. لينتهي النزال الحامي لصالح الملثم المجهول.
ويعود الرجل الحكيم للظهور في المشهد الخامس متابعًا تجواله بين الناس في السوق، وفي الوقت ذاته تصل قافلتين من الهند، وينادى التجار والباعة على ما بهما من بضائع.
ويختتم المشهد السادس أيضًا بالرجل الحكيم بعد أن تبضع وحمل جواده من مختلف بضائع السوق، ومن ثم امتطى جواده وهو يحدث نفسه مودعًا أركان السوق قائلا: "القدوم إليك أيها السوق متعة ما بعدها متعة، وفراقك أسى يلفه شوق شديد للعودة"، وبعد هذه العبارة التي تختتم الفعالية التمثيلية لـ"سوق عكاظ"، تنطلق صيحات الإعجاب وتصفيقات من جمهور الجادة، معبرين عن إعجابهم بالأداء الذي جعلهم يتعايشون مع سوق عكاظ في عصور مجده السالفة.
وينتقل جمهور الجادة مع غروب الشمس بعد هذا الأداء الشيق إلى فعالية أخرى، وهي فعالية "المعلقات الشعرية"، والتي يتبارى فيها عدد من الممثلين في أداء شخصيات شعراء المعلقات، مرتدين أزياء تلك الحقبة التاريخية، وبأداء شعري وتمثيلي متقن من الفنانين ركاد الجعيد الذي يتقمص شخصية الشاعر "طرفة بن العبد" وهو يلقي معلقته، ورأفت فطاني الذي يجسد شخصية "امرؤ القيس"، وأسامة أفغاني الذي يجسد شخصية الشاعر والفارس "زهير بن أبي سلمى" ويبدع في إلقاء معلقته، ومن ثم يبرز عبدالملك الهتاري بشخصية الشاعر والفارس "الحارث بن حلزة"، ثم عادل الكعبي مبدعًا في أداء شخصية "عنترة بن شداد"، والفنان ممدوح العسلي بشخصية "النابغة الذبياني"، ثم عمرو بانبيلة بشخصية الشاعر "الأعشى"، وأسامة الأشقر يجسد شخصية عمرو بن كلثوم, وتختتم المنافسة الشعرية مع معاذ يونس متقمصًا شخصية الشاعر "عبيد بن الأبرص"، وبينما كل يلقي معلقته تعلو عبارات الثناء من الجمهور على الأداء المتقن وطريقة النطق في إلقاء الشعر، والتي يبدو أنها راقت كثيرًا للجمهور على الرغم من صعوبة كثير من أبيات هذه المعلقات بمفردات هذا العصر.
وتنتهي الفعالية مع رحيل آخر ضوء للشمس، لتبدأ بعدها الاستعدادات للفعالية المحورية للجادة وهي عرض مسرح الشارع "نقش من هوازن"، فيسارع الممثلون بتجهيز أنفسهم للعرض الذي يجسد سيرة الشاعر والصحابي لُبيد بن ربيعة العامري، من الجاهلية إلى الإسلام.
وأوضح مدير عام مؤسسة رواد ميديا ممدوح سالم منتج ومخرج فعاليات الجادة، أن فريق العمل والذي يضم أكثر من 250 ممثلا وفنيًا دخل في تحدٍ مع نفسه لتحقيق هدف جوهري من خلال هذه الفعاليات وهو إمتاع الجمهور بفعاليات متنوعة وراقية المضمون، وفي الوقت ذاته تنمية وعيه ومعارفه من خلال المحتوى الذي تقدمه جميع هذه الفعاليات.
وأضاف سالم: ما أسهل تقديم محتوى يضحك الجمهور، لكن ماذا بعد الضحك؟, هل خرج الجمهور بعد انتهاء هذا المحتوى بقيمة جديدة، أو معلومة عن تاريخ وطنه، ورجال أمته؟, هل تعرف على فرسان الكلمة؟, ما الذي اكتسبه من قيم وصفات من خلال ما شاهده؟.. هذا بالضبط ما نحرص على تقديمه من خلال فعاليات الجادة، سواء من خلال فعالية "مسيرة القوافل" التي تشعر المواطن بالمهابة تجاه قوة وعنفوان العرب، وخصالهم، واستماتتهم في الدفاع عن حقوقهم وشرفهم، أو فعالية "سوق عكاظ" التي تعكس تاريخيًا مجتمع الجزيرة في العصر الجاهلي وأوائل ظهور الإسلام، وكيف كانت سوقًا رائجة تفد إليها قوافل التجارة من شتى أرجاء الدنيا، كما كانت ساحة للنزال سواء للمبارزة بالسيوف، أو المبارزة بالكلمة من خلال منافسات الشعراء فيما بينهم، وهذا ما تقدمه فعالية "المعلقاتالشعرية" والتي تركز على إبداعات شعراء المعلقات، ومنافساتهم الإبداعية فيما بينهم، ومن ثم ربط الجمهور بهذه الأجواء ليقف على تاريخ هؤلاء الفرسان.
يشار إلى أن فعاليات "جادة سوق عكاظ" انطلقت الأربعاء الماضي مع افتتاح الدورة التاسعة لسوق عكاظ برعاية سامية من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله، وافتتاح الأمير خالد الفيصل، مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة رئيس اللجنة الإشرافية العليا، وتستمر فعاليات "جادة سوق عكاظ" حتى نهاية الأسبوع الجاري تحت إشراف الهيئة العامة للسياحة والآثار, حيث تبدأ أولى الفعاليات بمسيرة القوافل عند الساعة الخامسة عصرًا وتليها عروض "مهارات الخيول والفرسان" عند الساعة 5:45 عصرًا, ويبدأ مشهد "السوق" في تمام الساعة السادسة مساءً, ومن ثم يتجه جمهور "الجادة" لمشاهدة عرض "معلقات الشعراء" في حي عكاظ وذلك عند الساعة السادسة والنصف, وتنتهي فعاليات الجادة مع العرض المسرحي "نقش من هوازن" الذي يعرض مرتين يوميًا, حيث يبدأ العرض الأول عند الساعة السابعة والنصف, بينما يبدأ العرض الثاني عند الساعة التاسعة والربع.